رسالة من سنية الى شيعية:رسالة 3:حالنا وحالكم مع القران


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.. وبعد:
إليكِ أيتها الأخت العاقلة.. أيتها الفتاة الراشدة.. أيتها المؤمنة بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والمتخذة شرعة الإسلام منهجاً وسلوكاً قويماً..
إليكِ أختاه! أكتب هذه الكلمات التي بثثت فيها شيئاً من أشجاني، وكتبتها إليكِ من مكنون قلبي.. مدادُها حبي ووفائي


أختاه: لقد أكرمنا الله تعالى بأن جعلنا من أُمةِ أفضلِ الأنبياء والمرسلين، وأكرمنا بإنزال خير كُتبه في العالمين، وخصَّنا من بين الأمم بذلك؛ قال سبحانه وتعالى: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [المائدة:15-16].


إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، فهو شفاءٌ لما في الصدور، والحَكم العدل عند شبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل ليس بالهزل، سِراجٌ لا يخبو ضوءه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل منقول، بهر حُسن ارتباط أواخره بأوائله، وأعجزت بديع إشاراته وعجيب انتقالاته، من قصصٍ باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تَعجُّبٍ واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجيةً بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة رأف، وإن كان ترغيباً شوّق، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنىً وأعذب أسلوب؛ فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكُّره.
أختاه! إن هذا القرآن أنزله الله ليكون منهج حياة؛ هي خير حياة وأسعدها، ومرشداً إلى سبيل هي أقوم سبيل وأنجحها: ((فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
أُخيتي: كلام ربنا بين أيدينا نزّهه الله عن الخطأ والزلل، وجعله فصلاً في كل زمان ومكان: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
فبهِ اتضح سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، فهـو الضياء والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور؛ من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فاز، جعــل الله فيـه وبـه الهداية لمن شـاء من عباده المتقين: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:1-2].
أختي الغالية: لقد وعد الله سبحانه أن يحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين؛ قال جلّ في عُلاه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف؛ استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة، فهذا -أُختاه- ما أراده الله عز وجل من إنزال كتابه، أن نأتمر بأمره، وننتهي عند نهيه، ونصدق أخباره وما فيه من الإخبار بالغيب، ونتعظ ونعتبر من قصص الأمم الماضية، لا لنتخذه ظهرياً؛ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص:29].. ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24].
أُختاه! إن القرآن الكريم منهج حياة ودستور ونظام وشريعة الله إلى أهل الأرض، قضى أن لا يحتكموا إلا إليه، وأمر أن لا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يُعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق ومن الغرب.. فهو الحكم العدل، كما قال سبحانه: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50].
وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)) [النساء:60-62]
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)) [النساء:63]
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء:64]
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
إن الله قد جمع الهداية والفلاح في هذا الكتاب الكريم، فقال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) [الإسراء:9].
ففيه الشفاء: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44].
إن آيات هذا الكتاب العظيم والسراج المنير قد أثرت في قلوب المشركين؛ وقلبتها من شركٍ إلى توحيد، ومن عصيان وطغيان إلى طاعة وعبادة؛ فهذا أحدهم يسمع النبي عليه الصلاة والسلام يتلو عند الكعبة آيات مما أوحى الله إليه، فيقول: (والله ما سمعتُ قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه) فأثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن. وهذا رجل آخر كان جباراً في الجاهلية شديداً على المسلمين يومئذٍ، فلمّا سمع قوله تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) [طه:1-2] إلى قوله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:14] كسّرتْ تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: (ما ينبغي لمن يقول هذا أن يُعبد معه غيره) فأصبح ذلك الرجل إذا سار في فجٍ سار الشيطان من فجٍ آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أُختاه! ألم تتفكري وتتدبري في جامعة القرآن! كيف أخرجت جيلاً مُميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جمعاء؟
إنه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ هذا العدد النقي الصالح الذي لم يجتمع مثله بعد ذلك في مكانٍ واحد، وليس السبب في تجمعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قائم فحسب! ولكن ثمة سببٌ آخر: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، فكانوا يتلون القرآن للعمل به في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المتمثلة في العمل به، وانظري مثال ذلك في حادثة (تحريم الخمر) من كُتب التفسير.
أما بعد.. أُختي الفاضلة:
فهذا الدستور الخالد منذ يومه الأول وهو آخذ بروعته عقول الناس، مؤمنهم وكافرهم، فقد خضعت له أعناق كُبراء الجاهلية وأسيادهم، وطأطأتْ له رءوس البلاغة والأدب..، شهادة إكبار وقول حق واعتبار، قام له العالم كله ولم يقعد هيبة لمطلعه النوراني، فهو كلام رب الأرباب، الآخذ بالقلوب والألباب.. المهيمن على جميع الكتب.. المُنزل على خير الرسل.. المشرِع لخير الأمم؛ ولا غرو فقد شهد له بذلك الكافر! ونحن في غنى عن شهادته، فراجعي -أُختي- ما كتبه علماء الغرب والشرق في كتاب الله، وانظري على سبيل المثال كتاب: (قالوا عن الإسلام، لـعماد خليل) لَتَريْ ما يهولكِ من اعترافات بصدق هذا الكتاب الخالد وقوةتأثيره وصداه عندهم
!
ولكن أُختاه: ما حال مذهبكِ مع هذا القرآن العظيم؟
غاليتي: ليس غرضي من هذا السؤال التفرقة الطائفية! أو الفتنة المذهبية! أو من أجل التدليس الفردي! كلا والله، بل الأمر كلمات خرجت من القلب لتصل إلى القلب، ولتري نفسكِ -أُختاه- ومكانكِ تجاه كتاب الله تعالى؛ فتأخذي بيدي وآخذ بيدك لنحقق الوحدة الإسلامية المنشودة، انطلاقاً من كتاب الله تعالى أصل الأصول ودستور الحياة الخالد.
تعلمين -أختاه- ويعلم كل مسلم دور الحكومات الإسلامية في العالم واهتمامها بطباعة المصحف الشريف، ودور جامعاتها ومعاهدها ومدارسها بالعناية به، ولا يخفاكِ مسابقات القرآن الكريم العالمية، وحلقات التحفيظ الخاصة به، كل ذلك اهتماماً بكلام الله تعالى وتقدس، علاوة على إنشاء مؤسسات خاصة تشجع طباعته ودراسته وحفظه وتلاوته وتفسيره، ولنأخذ مثالاً وهو: الجامع الأزهر الشريف، بل الكلام عنه وعن اهتمامه بالقرآن قد يعتبر لغواً من الكلام! فهو غني عن التعريف، إنه جامع الأزهر، منارة القرآن وجامعة الحفاظ.. وقد خرَّج مئات الألوف من حفظة كتاب الله الذين علموا الدنيا كلها كيف يُرتل كتاب الله، وقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمةً لكتاب الله.
أما الدراسات التي تخدم القرآن وتُدافع عنه فهي أكثر من أن تُذكر، ويكفي أن تطلعي على فِهرس الدراسات العليا للأزهر؛ لتري ما يُذهلكِ! وأما جامعات المملكة وتونس وسوريا والمغرب ودول الخليج، وبقية دول العالم الإسلامي فهي غير خافية.
ولكن أُختي: ما هو الدور الذي أدَّاه مذهبك واعتقده علماؤه ومفكروه تجاه القرآن الكريم؟؟ وحتى أكون بعيدة عن الظلم والاستبداد، وقريبة من المصداقية والعدل، سأوثق كلامي وأحيله إلى مصدر مطلع على الأمور، لا على جاهل شاذ أحمل كلامه وأُعممه على الجميع، وسأسند نقلي إلى مؤسسات علمية دينية معتمدة، لا على أفراد قد يكونون مقصرين.


- وعلى ما سبق أقول والله المستعان:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران في كتابه: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام، ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير، فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو "درجة الاجتهاد" من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء، هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). المرجع: [ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، ص:109].
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!! لماذا هكذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن). [نفس المرجع: ص110].
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: (فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن). [نفس المرجع: ص111].
ويقول آية الله الخامنئي: (إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية، وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل، وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع:ص110].
ومما تقدم نقول مستفهمين: كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن، ولو على مستوى التلاوة؟!! كيف يدرس الطالب من بداية دراسته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!!
وبعد هذا النقل أُختاه: ألم تتساءلي في نفسكِ عن سبب عدم اهتمام الشيعة بالقرآن؟
وفي الجواب الفادحة الكبرى والرزيَّة العظمى!! إنهم يرون أن هذا القرآن اليوم ليس هو الذي أُنزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل هو مُحرَّف ومبدَّل ومغيَّر زِيَد فيه وأُنقص منه!! وأستغفر الله من هذا الاعتقاد الذي لا يقبله المسلم مهما كانت عقيدته ومذهبه!
نعم أُختاه: هذه الحقيقة التي ربما أن كثيرات منكن لا يعلمن عنها شيئاً!! أو إنهن يعلمن ولكنهن لا يردن أن يُصدِّقنَ! لهول هذا المعتقد الذي يهدم الثقل الأكبر ويُنهي معالمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل يعقل أن يهتم الكفرة بكتاب ربنا، ونقول نحن: إنه كتابٌ محرف؟؟
والآن إلى توثيق كلامي هذا من مصادرهم ومراجعهم المعتمدة وأقوال أكابر علماء الشيعة الثقات عندهم -والله المستعان-.
يقول الطبرسي: (1/377-378) في كتاب الاحتجاج: (ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرِّف وبدِّل وما يجري في هذا المجال لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي: (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به.. إلى غير ذلك).
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول [الجزء الثاني عشر، ص:525] أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (سبعة عشر ألف آية)، قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ.
ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام، فيقول في الأنوار أيضاً: (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة! فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم، كما سيأتي بيانه في نور القرآن).
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره: [مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36]: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لَمّا أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه، إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
قال النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
قال المفيد في أوائل المقالات: [(ص:9)، دار الكتاب الإسلامي بيروت]: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب: [مشارق الشموس الدرية: (ص:126)] بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
وغيرها كثير جداً تركتها خشية الإثقال عليكِ بما لا تُحبين أن تسمعي عنه!!
أختي الغالية: أرأيتِ؟ فأنا لم أتهم أحداً، ولم أتقوّل على أحدٍ. حاشا وكلا. بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومُحدثيهم أصحاب الشأن، ودوري فقط هو النقل لبعض ما وجدته من كلام، ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد الذي بمجرد عرضه يتبين لكِ يا صاحبة النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا؟ والله عز وجل يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه، وتقول هذه العقيدة: بل ضَيَّع وما حفظ!! والله عز وجل يقول: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب!!
فسبحان الله! كيف وصل بهم الهوى إلى هذا الدرك البعيد، ولكن حق عليهم قول المولى سبحانه وتعالى عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)) [الحاقة:48-52].
أختي: كم والله تعجبني تلك الفتاة التي أعملتْ فكرها بنفسها، وخلت مع كتاب ربها بعقلها، وتدبرت وتأملت بذاتها، واتّبَعت ما تبين لها أنه الصواب.
ولنستعن بالله ولنرفع أكفنا إليه ولنقُلْ: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...