看在伊斯兰教在中国 نظرة على الاسلام في الصين

دخول الإسلام إلى الصين

وصل الإسلام إلى الصين عن طريق محورين :




المحور البري


جاء إليها من الغرب، وتمثل في فتح التركستان الشرقية في العصر الأموي، في منطقة كاشغر، فقبل أن ينتهي القرن الهجري الأول وصلت غزوات (قتيبة بن مسلم الباهلي) الحدود الغربية للصين، وعلى الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين، إلا أن طريق القوافل بين غرب آسيا والصين كان لة أثره في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين، ولقد عرف هذا بطريق الحرير كما أن لمجاورة الإسلام في منطقة التركستان بوسط آسيا للحدود الغربية للصين أثره في بث الدعوة في غربي البلاد.

المحور البحري

وقد تمثل في نقل الإسلام إلى شرقي الصين، ففي نهاية عصر الخلفاء الراشدين، في عهد عثمان بن عفان، وصل مبعوث مسلم إلى الصين في سنة 21هـ، ثم توالت البعثاث الإسلامية على الصين حتي بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31هـ -651 م) و(184 هـ - 800 م)، وتوالت على الصين عبر هذا المحور البحري البعثاث الدبلوماسية والتجارية وأخذ الإسلام ينتشر عبر الصين من مراكز ساحلية نحو الداخل.

المسلمون عبر تاريخ الصين

مسجد هوايشينغ واحد من أقدم المساجد في العالم، بني من قبل عمّ محمد، سعد بن أبي وقاص‎
في عصر حكم أسرتي تانغ وسونغ : أطلق الصنيون اسم (التاشي) على البعثات الإسلامية، وأضيف إليها اسم (أصحاب الملابس البيضاء) أثناء الحكم الأموي، وأطلق اسم (أصحاب الملابس السوداء) أثناء الحكم العباسي، واستقرت بعض الجماعات المسلمة من التجار ورجال الدين على ساحل الصين الجنوبي في منطقة خوان فو (كانتون) حالياً ووصل المسلمون إلى عاصمة (تشانغ ان) وأخدا ينتشرون في مناطق عديدة. وهكذا ظهرت مناطق إسلامية في عهد أسرتي تانغ وسونغ ومن أشهر الآثار الإسلامية مسجد ذكري النبي عليه الصلاة والسلام في كانتون ومسجد الطاهر في تشوان تشو، وفي هذا المسجد حجر مكتوب فيه اسم مؤسسة وهو تاجر عربي يدعي عجيب مظهر الدين. وكان للمسلمين مساجدهم ومدارسهم وأنشطتهم التجارية والاقتصادية الأخرى


المسلمون في عصر يوان

  • المغول : 676هـ -1286م، 769 هـ -1377 م، نهض المسلمون في عصر المغول نهضة سريعة، وزاد نفودهم وشغلوا مناصب عديدة في الدولة وتقلد (شمس الدين عمر عدة مناصب منها (حاكم) ولاية يونان في سنة (673 هـ - 1274 م) وعمل أثناء حكمة على تثبيث أقدام المسلمين بهذه الولاية، وكذلك عمل أولاده، الذين تولوا مناصب مهمة بالدولة، وبلغ عدد الحكام المسلمين 30، وتولي المسلمون حكم 8 ولايات، وكانت الصين مقسمة إلى 12 ولاية.

أحوال المسلمين في عهد أسرة منغ

اندمج المسلمون في المجتمع الصيني منذ عهد المغول، ولكنهم حافظوا على تقاليدهم الإسلامية، واكتسب الإسلام أتباعاً جدداً بالمصاهرة بين الأسر من أصل عربي أو إيراني وبين الأسر الصينية، وقد حافظ العرب على نسبهم وتميزوا عن غيرهم باسم (ما) وهو يعني الخيل أو الحصان باللغة الصينية وذلك لشهرتهم بركوب الخيل وتوريد الفصائل العربية النادرة للصين والتي كانوا يجلبوها كهدايا ثمينة (بعد موسم الحج) من كل عام وهي تقدم كهدايا ثمينة جدا لكبار الشخصيات بالبلاط الامبراطوري وظل المسلمون محتفظون بمناصب مهمة في الدولة، وكان للإسلام احترام عظيم، وظهرت الفنون الإسلامية في الفن المعماري الصيني.


المسلمون في عهد ألمانشو (المنشوريون)

تغيرت أوضاع المسلمين في هذا العصر فكان عهد ظلم واستبداد وذلك لجهل الموظفين المنشوريين بعادات المسلمين، وظهرت عدة (انتفاضات) في شمال الصين، وتركستان، وفي ولاية يونان، وراح ضحيتها الآلاف من المسلمين، وفي هذه الفترة، في سنة (1279 هـ -1862 م) ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلي اللغة الصينية.

المسلمون في العهد الجمهوري

(1329 هـ -1911 م) أعلن الحكم الجمهوري أن الأمة الصينية تتكون من خمسة عناصر يشكل المسلمون إحداها، وكان علم الجمهورية يتكون من خمسة ألوان، للمسلميناللون الأبيض، ونال المسلمين حقوقهم بعد أن عاني الظلم ثلاثة قرون، وأدخلت الشوائب على العقيدة الإسلامية. ولقد ناصر عدد كبير من أبناء المسلمين بالصين فكرة تأسيس الجمهورية بقيادة الدكتور صن يان سن وانتموا للحزب الوطني الحاكم (الكومين تان)، ولقد حكم أبناء المسلمين أجزاء عدة من الصين ذات أغلبية مسلمة حكما ذاتيا وذلك بعد سقوط الامبراطورية في بداية القرن العشرين ولكنهم كانوا يتبعون الحكم المركزي ببكين فدراليا.
وعندما تكالبت القوى الأجنبية مثل اليابان وانكلترا والولايات المتحدة على الصين ومن ثم دخول روسيا البلشفية على الخط تقطعت اوصال الجمهورية واصابها الضعف وتفشى الفقر بحكم الصرف على الحروب التي خاضوها ضد اليابان وإخراجها الأمر الذي جعل البسطاء يؤمنون بالفكر الشيوعي للتخلص من الفقر والقضاء على الطبقية بالمجتمع الرأسمالي، وبدأت الحرب الأهلية تطحن بين (حلفاء الكفاح ضد اليابانيين)وهم الجمهوريين والشيوعيين، وقد ابلى أبناء المسلمين بلاء حسنا وابدوا مقاومة عنيفة ضد الثورة الشيوعية وقيادتها بزعامة الشيوعي ماوتسي دونج. وبعد سقوط الجمهورية وتمكن الحزب الشيوعي من تملك مقاليد الامور بالصين وانسحاب القائد العسكري للحزب الوطني لخارج الأرض الصينية وبالتحديد لجزيرة تايوان، تم اعدام وسجن وتعذيب الغالبية العظمى من قيادات المسلمين وحكامهم وعلماؤهم وهدمت مساجدهم واهينوا في دينهم كانتقام لعدم وقوفهم مع الحزب الشيوعي أثناء الحرب الأهلية الأمر الذي جعلهم مطاردين من قبل الجيش الشيوعي واجهزتها الأمنية مما استدعى هروب اعداد كبيرة منهم لخارج الصين كمناطق ودول أخرى كتايوان وهونج كونج وسنغافورة والولايات المتحدة وتركياوكذلك بعض من الدول العربية كمصر والسعودية وقد لجأ للدول العربية معظم المسلمين من أصول عربية.

المسلمون الصينيون في عهد الحكم الشيوعي

(النصف الثاني من القرن العشرين) استولي الشيوعيين على حكم الصين في سنة (1369 هـ - 1949 م) وهادن الشيوعيون المسلمين أول الأمر، وذلك كجزاء لمساعدتهم ومعاناتهم أثناء الحرب الأهلية، وقد وزعت نشرات عن منح الحكم الذاتي للمسلمين في الصين ضمن 34 مقاطعة، وكلها (مزيفة) ولقد فرض على المسلمين نظام الزواج المختلط، ونظام الكميونات، ونظام المعيشة المشتركة وصودرت أملاك الأوقاف الإسلامية، وقضي على مرتبات الوعاظ والمدرسين، فاضطروا للعمل داخل الكميونات، وقاوم المسلمبن في ولايات جانصو، وتسنغاي، والتركستان الشرقية، والتبت، فقبض الشيوعيون على زعماء المسلمبن وأودعوا السجن وأحرقت الكتب الإسلامية وأغلقت المساجد، وهدم الكثير منها، كما أغلقت المدارس، وشرد علماء الدين وفر العديد منهم إلى الخارج. ويمكن اختصار هذه الفترة في المراحل التالية


من (1369هـ -1949 م) إلى (1378هـ -1958 م)

كانت مرحلة مهادنة لأنها سايرت الأعداد لتأسيس الدولة، وقد أقلق وضع المسلمين في الصين العالم الإسلامي فحاولت السلطة الحاكمة إرضاء العالم الإسلامي، وظهرت الجمعية الإسلامية الصينية الشعبية في سنة (1373هـ - 1953 م) كجمعية وحيدة تمثل المسلمين شكلا لاموضوعاً، وألغيت الجمعيات الإسلامية السابقة، وعقد أول مؤتمر للمسلمين في ظل النظام الجديد في نفس السنة، ثم صدرت مجلة باسم مسلمي الصين في العام التالي له ،كما تم إنشاء معهد إسلامي في عام (1375 هـ - 1955 م)، وكانت هذه المرحلة مرحلة تأميم نشاط الدعوة الإسلامية لفرض هيمنة النظام الشيوعي على النشاط الإسلامي.

[]
من سنة (1378 هـ -1958 م) إلى 1386 هـ - 1966 م)

كان في هذه المرحلة مساس بشعور المسلمين ن وظهر هذا في تطبيق نظام (الكوميونات)، فقد شمل التطبيق رجال الدين ووزعوا علي المزارع والمصانع الجماعية، وظهرت في الصحف الصينية مقالات تهاجم وجود العدد الكبير من المساجد، بل والإلحاح على استخدامها لأغراض (اقتصادية)، وكانت هذه الحملة مقدمة لإغلاق المساجد منذ سنة 1369 هـ - 1949 م) فقد أدى هذا إلى تعطيل قيام المسلمين بشعائر دينهم، وتلى ذلك توقف المعهد الإسلامي الذي أنشئ في المرحلة السابقة، وكان النافدة الوحيدة للمسلمين في الصين، كما توقف (سفر بعثات الحج) ثم (تهجير) المسلمين من مناطق الكثافة الإسلامية العلية إلى مناطق أخرى، وتهجبر غير المسلمين إلى مناطق المسلمين، ونبنت الحكومة سياسة تحويل الهوية الإسلامية إلى هوية شيوعية، وقد واجه المسلمين هذا بكفاح كما حدث في التركستان الشرقية في سنة (1392 هـ - 1962 م)

[
من سنة (1386 هـ - 1966 م) إلى (1396 هـ - 1976 م)

وهي أشد مراحل العنف، وتسمى بمرحلة الانتفاضة الثقافية، حيث ضرب رجال الدين في الشوارع وأقتحمت البيوت، وأخدت المصاحف والكتب الدينية و(أحرقت) علانية في الشوارع، وفقد المسلمون الصينيون مخطوطات نادرة وأغلقت المساجد وحول البعض إلى (ورش ومخازن) في سنة (1386 هـ - 1966 م)، وأبقوا على مسجد واحد في بكين ليصلي فيه الدبلوماسيون المسلمون، وألغيت العطلات الإسلامية، ومنع المسلمون من ارتداء ثيابهم القومية، وأجبروا على ارتداء الملابس الزرقاء، وألغيت تصاريح صرف (أكفان الموتي) وتظاهر المسلمون في ولاية (يونان) مطالبين بعطلة يوم الجمعة، وفي هذه المرحلة حاول النظام الشيوعي مسخ الشخصية الإسلامية وخصائصها الفردية.

[
من سنة (1396 هـ - 1979 م)

كانت هذه المرحلة عبارة عن صراع على السلطة، واستغرق هذا عامين، وبدأت مرحلة جديدة مع عام (1389 هـ - 1978 م)، وأوجد قانون ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية ن ووعد بإعادة فتح المعهد الإسلامي، إعادة إصدار مجلة (المسلمين)، واستئناف بعثات الحج، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهي أكثر من 1900 مسجد في التركستان الشرقية وحدها، وعدد المساجد في الصين (40327) مسجداً، وإعادة العطلات الإسلامية. وساهمت الحكومة بنفقات إصلاح المساجد، وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية، وزار وفد من مسلمي الصين باكستان، والبحرين، والكويت، وعمان، واليمن الشمالي، وإيران، ومصر وفي سنة (1400 هـ - 1980 م ور أرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان، كما عقد مؤتمراً إسلامياً في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية.

مراحل التعليم الإسلامي بالصين

ينقسم التعليم الإسلامي في الصين إلى المراحل التالية :
  • المرحلة الابتدائية ويقتصر التعليم فيها على المدارس القرآنية المتعلقة بالمساجد، ويدرس فيها الطالب مبادئ اللغة العربية والقرآن الكريم
  • المرحلة المتوسطة ويدرس الطالب فيها مبادئ النحو، والبلاغة وبعض العلوم الدينية من الحديث والتفسير، ومنهج هذه المرحلة في حاجة إلى تعديل.
  • المرحلة العليا، وفيها يدرس الطالب علوم الفقه، والتفسير، والتوحيد، وبعض العلوم الأخرى، ومدة هذه المرحلة طويلة وهدفها تخريج دعاة ومدرسين. والحاجة ماسة للكتاب الإسلامي وإعادة النظر في المناهج وإصلاحها، وتشكلت لجنة سعودية في سنة 1409 هـ، ومهمتها مساعدة المسلمين في الصين مادياً وعلمياً ودراسة متطلباتهم التعليمية والثقافية.

]
المنظمات الإسلامية

من أقدمها (جمعية التقدم الإسلامي) ويبلغ عدد فروعها 300 فرع وكان لها العديد من المدارس، (جمعية الأدب الإسلامي في الصين) ومهمة هذه الجمعية تبسيط فهم العقيدة الإسلامية، والنهوض بالتعليم الإسلامي ومساندة الأعمال الخيرية، وترجمة معاني القرآن، وأصدرت الجمعية مجلة شهرية، كما خصصت منح دراسية للطلاب المسلمين للدراسة في البلدان الإسلامية، وأنشأت عدة مراكز بالصين. (الجمعية الاتحادية لعموم الصين) نشطت في توثيق صلة المسلمين بالعالم الإسلامي، و(الجمعية الإسلامية في الصين)هيئة تكفلها الحكومة الصينية سنة 1986 م، وتقوم ببعض الأعمال الإسلامية، ولكن هناك شعور مضاد لها، ومقرها في بكين.هذا حسب بعض المصادر

المجلات الإسلامية قبل الحكم الشيوعي

أصدرت جمعية التقدم الإسلامي مجلة (المنبه الإسلامي) وأصدرت الجمعيات الإسلامية الأخرى عدة مجلات منها مجلة (نضارة الهلال) صدرت في بكين، ومجلة (نور الإسلام) صدرت في تينجان، ومجلة (العلوم الإسلامية) صدرت في كانتون.

المطبوعات الإسلامية

على الرغم من أحداث النصف الأول من القرن العشرين إلا أن هذه الفترة كانت من أخصب فترات نشاط الدعوة الإسلامية، ففيها تم طبع القرآن الكريم بالعربية أربع مرات، وترجمت معاني القرآن الكريم في سنة (1365 هـ - 1945 م)، وكذلك أصدر القاموس العربي الصيني، وترجم كتاب (العمدة) أي كتب الفقه الشائعة بالصين، وترجم إلى الصينية كتاب (تاريخ التشريع الإسلامي)وكتاب (رسالة الإسلام في الصين). والشيخ محمد تواضع هو أول من جلب حروف الطباعة العربية إلى الصين.

مساجد مشهورة في الصين
مسجد هوايشينغ في مدينة قوانغشو
عندما كانت التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين وبلاد العرب في أوج ازدهارها في عهد أسرة تانغ (618-907)، توارد عدد كبير من التجار العرب إلى مدينة قوانغتشو ¨C إحدى المدن الساحلية في الصين وأبرز موانئها ¨C مرورا بالخليج العربي وخليج البنغال ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي وكان من ضمنهم جماعة استوطنوا هذه المدينة فبنوا فيها مساجد لأداء الصلاة ومعالجة شؤونهم المتعلقة بالدين والعبادات. ويعتقد بأن مسجد هوايشينغ (المسمى أيضا "مسجد قوانغتا" ¨C المنارة ¨C لفخامة منارته) هو من المساجد التي تم بناؤها على أيدي الجاليات العربية الإسلامية آنذاك. ولكن الرواية التي سبق ذكرها في صدر الكتاب تقول بأنه سيد على يد الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص رضى الله عنه الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام بأمر من النبي. أما الكتابات العربية المنقوشة على اللوح الرخامي في مسجد هوايشنغ، فتتفق وما ورد في الرواية، إذ جاء فيها:

"هذا هو أول مسجد في الصين بناه سيدنا وقاص رضى الله عنه، إذ دخل هذه الدار لإظهار الإسلام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة. قد حفظه الله تعالى إلى الآن سليما من الآفات. وهو في الصين مبدأ الإسلام ومنبع العلوم. فينبغي لمسلمي الصين أن يزينوا ظهره بالعمارة الحسنة، ويصلحوا باطنه بإقامة الجماعة. وعلى مسلمي هذا البلد خصوصا إنشاء مدرسة. فاعتبروا يا أولى الأبصار .. التوقيع: الوصي سليمان عند الكريم"
إن هذه الكتابات العربية سليمة ومتماسكة لغويا. فمن المحتمل أن تكون من كتابات أحد المسلمين العرب الذين استوطنوا مدينة قوانغتشو في وقت مبكر. ولكن ليس هناك سبيل إلى معرفة الزمن الذي نقشت فيه هذه الكتابات غير المؤرخة. ومع ذلك فإن كلمات "ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة" الواردة في الكتابات توحي إلينا بأنها كتبت بعد زمن طويل من بناء المسجد. أما الصحابي سعد وقاص الوارد في الرواية، فبالإضافة إلى ورود ذكره في الكتابات العربية المنقوشة ما يزال ضريحه قائما على مقربة من جسر ليوهوا في ضواحي قوانغتشو. وجرت العادة على تسميته "ضريح الحكيم المرحوم" تعظيما لشأن صاحبه. وأكثر من ذلك أن المسلمين هناك يقومون عادة بزيارة هذا الضريح في الأعياد الإسلامية، سائلين الله أن يتغمد صاحبه برحمته ومغفرته. وقد تبين لنا أن مجيء شخص إلى الصين يدعى وقاص لإظهار الإسلام قد حدث فعلا ودون أدنى شك. وبيد أن "وقاص" الذي يتردد اسمه على ألسنة المسلمين الصينيين ليس الصحابي سعد ابن أبي وقاص الذائع الصيت في عهد النبي عليه السلام. إذ أن كل من له دراية بتاريخ الإسلام لا يخفى عليه أن هذا الأخير كان قائدا عسكريا بجوار النبي عليه السلام، ظل ملازما له في غزواته لمحاربة أعداء الإسلام من مكان لآخر، وساهم بقسط كبير في الكثير من المعارك التي جرت في فجر الإسلام. وإثر ذلك انتقل إلى القادسية في العراق اليوم بأمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ورضى الله عنه، حيث قاد معركة عنيفة ضد الفرس، عقد له فيها لواء النصر، واظهر الكثير من المواهب العسكرية المثيرة للإعجاب. وقد أبلى في القتال بلاء حسنا على امتداد حياته، وخاض غمار الكثير من المعارك الحامية الوطيس قبل أن توافيه المنية في المدينة المنورة سنة 675م. وأهم من ذلك ان المصادر العربية لم تذكر قط أن الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص قد وطئت قدماه الصين. فغاية ما يمكن أن يقال في أمر وقاس الوارد ذكره في الرواية  أنه مجرد تشابه في التسمية، ليس الا.
أن "تاريخ تينغ" الذي ألفه يوه كه هو أول كتاب صيني ذكر فيه مسجد هوايشنغ. وقد بدا المؤلف يدون ذكرياته في العاشرة من عمره (أي في سنة 1192م) قائلا: "في المسجد منارة، ارتفاعها عشرات الأمتار. وكل ما نقش عليها كتابات غربية" دون ان يشير إلى تاريخ بنائه .. وبعد أربع عشرة سنة من ذلك (أي في سنة 1206م) تم للشاعر فانغ شين رو تأليف ديوان شعر بعنوان ((مائة أنشودة لبحر الصين الجنوبي)) وبين دفتيه قصيدة بعنوان ((تمجيد المنارة الأجنبية)) ورد في حاشيته الختامية ما يلي: "بدى ببناء المنارة الأجنبية في عهد أسرة تانغ. وجرت العادة على تسميتها ،®منارة هوايشنغ،®، وتبدو على شكل اسطوانة. ويبلغ ارتفاعها عشرات الأمتار". زد على ذلك أن الكتابات المنقوشة على ((نصب تجديد بناء مسجد هوايشنغ)) والمسجلة بيد قوه جيا في سنة 1350م، تشير إلى أن المسجد "قائم من عهد أسرة تانغ". ونستدل من ذلك على أهمية القول ببنائه في تلك الفترة! غير أن التدوينات التاريخية المذكورة أعلاه ظهرت بعد 300-400 سنة من تاريخ بناء المسجد المبين في الرواية الشائعة، فلا يمكن اعتبارها مستندا لتحديد تاريخ المسجد من حيث وجهة النظر التاريخية. هذا ما دفع بعض المؤرخين إلى القول بأن تاريخه قد يعود إلى القرن الثاني عشر الذي ظهرت فيه تدوينات يوه كه وفانغ شين رو. وبدهي أن هذا الرأي ليس له أساس من الصحة كما ذكرنا سابقا. وهناك فريق من المؤرخين رأوا أن المكان الذي كان ذلك المسلم الصيني يؤم فيه المصلين بتعيين من الإمبراطور الصيني هو سلف مسجد هوايشنغ على الأرجح، وان كانت المنارة غير مذكورة في كتاب ((رحلة سليمان)) الذي تم تأليفه في القرن التاسع. وهؤلاء المؤرخون لا يعتبرونها دليلا يؤكد وجود المسجد أو عدم وجوده، ذلك أنها لا تؤثر في كيان المسجد أبدا سواء أكانت موجودة أم غير موجودة. اذ يمكن اعتبار المسجد قائما بمجرد قيام مبناه الرئيسي ¨C قاعة الصلاة. أما المنارة ¨C وهي مبنى جانبي للمسجد ¨C فيجوز بناؤها خلال بناء قاعة الصلاة، ويجوز بناؤها بعد ذلك بفترة من الزمن. وتحليل المسالة على هذا النحو يبين لنا أن القول ببنائه في عهد أسرة تانغ له ما يسوغه، وليس مجرد تلفيق.
وفيما يختص بتسمية المسجد يشير كتاب ((فصول تانغ الستة)) إلى أنه "بني على يد الجنرال هواي شنغ، فأطلق عليه اسمه"، بينما تفيدنا المنقوشات على ((نصب تجديد بناس المسجد)) أنه: "سمي بذلك (أي هوايشنغ وهي تحمل معنى الحنين إلى النبي) تعبيرا عن الحنين إلى النبي عليه الصلاة والسلام". وتعد المقولة الثانية مما يتفق عليه المؤرخون عموما. ذلك أن المسلمين العرب الذين استوطنوا مدينة قوانغتشو في فجر الإسلام إما أن يكونا قد نشئوا في عهد ليس بعيدا عن عهد النبي (ص)، وإما أن يكونوا قد سبق لهم ان اهتدوا إلى الإسلام على يده مباشرة. فبعد أن هاجروا إلى الصين، لم يستطيعوا كبح جماح حنينهم إلى النبي (ص). وهذا ما حداهم إلى تسمية المسجد الذي بنوه "هوايشنغ" تعبيرا عن مشاعرهم العميقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في المنقوشات على ((نصب تجديد بناء المسجد)) الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1450 ما يلي: لقد دمر المسجد في سنة كويوي (1343م) في عهد تشنتشنغ لأسرة يوان، وغدت مبانيه أنقاضا". فليس هناك سبيل إلى معرفة ملامحه الأصلية. أما قاعة الصلاة المعاد بناؤها في سنة 1350م، فقد تلاشت هي الأخرى في الثلاثينات من القرن الجاري. غير أن مقالة ((مشاهدات في أثناء تفكيك قاعة مسجد هوايشنغ)) قد أعطت لمحة عن ملامح المسجد السابقة، اذ جاء فيها ما يلي : "يتربع مسجد هوايشنغ في شارع قوانغتا (المنارة)، ويغطى مساحة واسعة من الأرض، ويسور بسياج قصير أمام بوابته. ولو سرت من البوابة إلى الداخل عشرات الأقدام، لوجدت نفسك أما برج مشاهدة الهلال القائم الشامخ بكل خيلاء، حيث يمكن رؤية سلم متأنق وممرين مسقوفين، يمتد أحدهما في شرقي فناء المسجد والآخر في غربيه، وعلى جانبي كل منهما تنتصب كثير من أشجار الصنوبر الهرمة المخضوضرة، مما يزيد المكان جمالا وروعة. وهناك ورصيف يرتفع 9 درجات، وتطوقه الدرابزينات وتطل عليه قاعة الصلاة البادية على شكل قصر صيني الطراز. وهي مصلى للمسلمين المحليين. وقد غدت هذه القاعة المهيبة عرضة للسقوط منذ سنوات، لذلك تقرر إعادة بنائها اعتمادا على التبرعات بعد ترميم المنارة. ولكن الأهالي واجهوا الصعوبات في تحقيق ما يصبون إليه لضخامة المشروع. وأشد ما يدعو إلى القلق أنهم لن يجدوا مكانا لائقا لإقامة الصلاة إذا ما تهدمت هذه القاعة. وعبر مناقشات متكررة بدءا من السنة الماضية (1934م) إلى الشهر الجاري (في ربيع سنة 1935) اجمعوا على تفكيكها في الرابع والعشرين من الشهر نفسه. وقد تجلى للأعين ان مواد البناء المفكوكة من مواقعها أمتن  وأروع بكثير من مثيلاتها في زماننا هذا. أما تسنيمة سقف القاعة فقد كانت جد متماسكة ومتكاملة لارتباط كل أجزائها بالأسلاك النحاسية والمسامير الضخمة. وغاية ما يدعو إلى الإعجاب ان اجواف التسنيمة كانت مختومة بأحكام .."
أما قاعة الصلاة التي أعيد بناؤها سنة 1935، فهي كبيرة المساحة .. حسنة الإضاءة .. مميزة بخصائص القصور التقليدية الصينية أيضا. وبعد التحرير عام 1949 مدت الحكومة الشعبية يد المساعدة إلى المسلمين هناك لترميم مسجد هوايشنغ مرارا، مما جعله يبدو في غاية الروعة والبهاء. وبالإضافة إلى أنه بيت من بيوت الله، يقيم فيه المسلمون الصينيون والأجانب صلواتهم، فقد اصبح مزارا للضيوف القادمين من كال فج عميق بعد إدراجه في قائمة أهم الآثار المحمية على نطاق مدينة قوانغتشو.
تتجلى قيمة مسجد هوايشونغ في عراقة تاريخه وضخامة بنائه المتميز بأسلوب العمارة العربي: منارة أسطوانية الشكل، ترتفع 36 مترا عن أديم الأرض .. وتبدو كأنها شعلة تناطح السحاب، لأنها تتكون من جزأين .. الجزء الأعلى يمثل فتيل الشعلة، ونظيره الأسفل يمثل بدنها. أما جدرانها المبنية من الطوب فتتكون من طبقتي داخلية وخارجية، حشر بينهما التراب لتقوية الجدران. وفي جوف المنارة سلمان لولبيان، لا يتشابك أحدهما مع الآخر، ولك منهما 154 درجة. وهناك نافذة صغيرة على جدران المنارة بعد كل عدة درجات محددة، تصلح لتسرب الضوء إلى الداخل. ولو صعدت إلى قمة المنارة، للفت نظرك معالم مدينة قوانتشو كلها. وتختلف المنارة عن الباغودات الشائعة في الصين اختلافا تاما من حيث شكلها وتركيبها على حد سواء. فيمكن القول بأنها منارة مبنية على الطراز الإسلامية البحت. وعلى الرغم من أن هذه المنارة قد أخنى عليها الدهر، إلا أنها ما زالت تنتصب بكل خيلاء على ضفة نهر اللؤلؤ كما كانت عليه سابقا.. أنها شاهد عيان على عراقة التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب، كما أنها ترمز إلى أن مجرى الصداقة بين شعب الصين وشعوب العالم الإسلامي مازال يتدفق بزخم شأنه شأن نهر اللؤلؤ تماما.
مسجد تشنجياو (أو مسجد العنقاء) بمدينة هانتشو
هانتشو مدينة جميلة المناظر غنية بالثروات. وقد كانت عاصمة الصين في عهد أسرة سونغ الجنوبية (1127-1279م)، كما كانت ميناء تجريا دوليا هاما في التاريخ. أما مسجد "تشنجياو" (الدين الحق) الواقع في شارع الدكتور صون يات صن بالمدينة فقد سمى "مسجد العنقاء" أيضا لأن بناءه يشبه العنقاء الناشر جناحيها. وقيل ان بوابة المسجد وبرج مشاهدة الهلال القائم عليها، يشبه رأس العنقاء، وان الممر المؤدي من البوابة الى الداخل يشبه عنقها، وان صفين من الأشجار السامقة على يمين المسجد ويساره يبدوان وكأنهما جناحان لها، وان المباني المتوزعة في قلب المسجد تشبه بدنها، وان دغلة من البامبو خلف قاعة الصلاة تشبه ذيلها. أما البئران أمام قاعة الصلاة فقد جرت العادة على تشبيههما بعيني العنقاء. كما قيل ان المسجد قد تم بناؤه في عند أسرة تانغ (618- 907م)، ثم اتلف سنة 1203م، وأعيد بناؤه في عهد يوان (1271-1368م). ولكن النصب الحجري القائم في المسجد الذي يرجع تاريخه الى سنة 1493 يشير الى أنه قد بني سنة 1281م، بينما يسير "تاريخ هانغتشو" الى أنه شيد على يد علاء الدين العربي سنة 1314م، وقد وصف ابن بطوطة ما رآه هناك قائلا: " في اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة، ويسكنها المسلمون. ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام. وبها المساجد المؤذنون، وسمعناهم يؤذنون بالظهر عند دخولنا. ونزلنا منها بدار أولاد عثمان ابن عفان المصري، وكان أحد التجار الكبار (الذي) استحسن هذه المدينة فاستوطنها، وعرفت بالنسبة اليه، وأورث عقبه بها الجاه والحرمة، وهم على ما كان عليه أبوهم من الإيثار على الفقراء والإعانة للمحتاجين. ولهم زاوية تعرف بالسليمانية حسنة العمارة، لها أوقاف كثيرة، وبها طائفة من الصوفية، وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة. ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافا عظيمة، وعدد المسلمين بالمدينة كثير.." ونعرف من تدوينات ابن بطوطة ان المسلمين العرب كانوا قد استوطنوا هانغتشو منذ زمن بعيد. ولكن ليس في حوزتنا معلومات تدل على ان المسجد العثماني الذي رآه ابن بطوطة بأم عينيه هو المسجد المشيد على يد علاء الدين سنة 1314م، حسب ما ورد ذكره في "تاريخ مدينة هانغتشو".
يحتفظ مسجد تشنجياو (أو العنقاء) بست قطع ونصف من الطوب المنقوش، يرجع تاريخها الى عهد أسرة سونغ الجنوبية. ان هذا النوع من الطوب يبدو على شكل مربع وهو بحجم 42.5سم X  42.5سم X 4.7سم. ويلاحظ على سطح الطوب آيات قرآنية (92-96 من سورة آل عمران) وعلى سطحه الجانبي نقوش من الكتابات: "طوب مصنوع في عهد أسرة سونغ حسب طلب هانغتشو عاصمة البلاد". وتعتبر هذه النقوش من الأدلة الإضافية على تاريخ المسجد.
تمتد مباني المسجد الرئيسية: البوابة وقاعة الصلاة وقاعة الدعوة على خطة المحوري الوهمي من الشرق الى الغرب. أما قاعة الصلاة ¨C أقدم مبنى في المسجد ¨C فمسقطها الأفقي غير منتظم ويبلغ عرضها ثلاث فسح (الفسحة: المسافة بين دعامتين)، ومبنية من الطوب وخالية من العوارض ومطلية جدرانها بالجير الأبيض ومزخرفة بالنقوش الجميلة. وتتكون واجهات القاعة من البنايات الثلاثية الفسح، ولكل فسحة باب. وترى على كلا الجملونين اثنين من الأبواب ذات الخطوط القوسية الانسيابية، مع العلم ان هذا النوع من البوابات يبدو على شكل باغودة ليوخه اذا نظرت اليه عن بعد. أما الجدران الخلفية للقاعة، فليس لها أبواب، ولكنك ترى في الأجزاء العليا من الجدران ما بين كل فسحتي اثنتين من النوافذ المعقودة الشكل. كما ترى أفاريز بارزة على أعالي الجدران، وصفوفا منتظمة من القراميد على سطح القاعة الذي تنتصب عليه ثلاث عليات مخروطية الشكل. ومن الواضح ان ظهور هذه المباني المخروطية الشكل على السقف متأثر بأسلوب العمارة الإسلامية دون شك.
وكانت بوابة المسجد مكسوة بالنقوش الطوبية الجميلة. وعلى كلا جانبيها سلم خشبي يمكن الصعود عليه الى برج مشاهدة الهلال القائم على البوابة والبالغ ارتفاعه عشرات الأمتار. وكان هذا البرج في غاية من الروعة. ومن المؤسف انه فكك سنة 1929 عنوة بأمر من سلطة حرب الكومينتانغ، وذلك بحجة أنه كان "يؤثر في المواصلات" على حد زعمهم، الأمر الذي شوه ملامح المسجد الكاملة. وفي الأيام الأولى من تأسيس الصين الجديدة خرب المسجد الى حد كبير لحرمانه من الترميم مدة طويلة. فقد لجأ المسلمون هناك سنة 1953 الى ترميمه على نطاق واسع، فتجددت ملامحه كل الجدة. ودخل هذا المسجد العريق في قائمة أهم الآثار المحمية على نطاق البلاد.
مسجد سونغجيانغ في شانغهاي
كانت سونغجيانغ بلدة ذات موقع استراتيجي هام في الدفاع  البحري في عهد أسرة يوان (1271-1368م). وقد انتقل اليها مسلم يدعى ناصر الدين في عهد تشيتشنغ (1341-1368م)، ليعمل حاكما هناك. وحيث أنه كان متمسكا بالإسلام، فقد أخذ عددا كبيرا من المسلمين الى هناك. وكان عدد منهم يعملون في الهيئات العسكرية والحكومية، بينما كان معظمهم يمارسون الزراعة والصناعات اليدوية. وقد بنت حكومة أسرة يوان مسجدا إمبراطوريا في سونغجيانغ، مما جعل أولئك المسلمين يعيشون هناك مطمئني بدلا من ان تضطرب نفوسهم. هذا هو مبعث بناء مسجد سونغجيانغ القائم حتى زمننا هذا.
يقع هذا المسجد في شارع قانغبنغهانغ من بلدة سونغجيانغ. وهو من المساجد ذات التاريخ القديم. وتشتمل مبانيه على قاعة صلاة ومئذنة ودورة مياه للوضوء وقاعة دعوة. وقد جرى ترميم هذا المسجد وتوسيع بنائه أربع مرات حسب ما جاء في التدوينات التاريخية المتوفرة هناك، في سنة 1391 وسنة 1582 وسنة 1644 وسنة 1821.
ويظهر على العتبة العليا لبوابة المسجد مقطعان منقوشان: "تشي جيان" (البناء الإمبراطوري). وتواجه قاعة الصلاة برج مشاهدة الهلال القائم شرقها. وهو مرفوع الأفاريز. ويتظلل فناء المسجد بالأشجار الناضرة، ويسوده هدوء مما يثير في النفوس شعورا بالسكون والراحة النفسية. ويمكن للمرء ان يدخل الى الفناء نزولا على الدرجات الغرانيتية تحت أقدام البرج، ثم يجد نفسه أمام قاعة الصلاة العريقة عبر الفناء. وهي عريضة الواجهات، وتتكون من ثلاثة مبان متراصة. وكانت فيها أعداد من الألواح الخشبية المزخرفة بالحواشي المنقوشة جيدا. في صدر كل منها كتابات صينية مموهة بالذهب علما بأنها مخطوطة على أيدي الشخصيات المرموقة دون استثناء. وبالإضافة الى ذلك تتزين جدرانها بالكتابات العربية المموهة بالذهب. وهي تشكل زخارف متألقة، تنعكس فيها لوذعية الحرفية القدامى.
وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1677 الى ان المسلمين هناك كانوا قد لجئوا بمبادرة من ساي ين تشانغ، الى ترميمه بما تبرعوا به من الأموال، مما أبقاه ثابتا على الدوام. وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1821 الى ان ما جين ¨C أحد العسكريين المسلمين ¨C كان قد دعا الى جمع التبرعات من بين المسلمين مليما فمليما ليتخذها نفقات لترميم المسجد دون ان يسمح بصرفها لأغراض أخرى في أي حال من الأحوال. فشارك المسلمون هناك في حملة التبرعات بحماسة ما بعدها حماسة تلبية لدعوة ذلك العسكري المسلم. وانتهى بهم الأمر الى تجديد ملامح المسجد تماما.
وقد غدا مسجد سونغجيانغ عرضة للسقوط في عهد جمهورية الصين (1912-1949). ومن اجل حماية الآثار التاريخية خصصت الحكومة الشعبية الأموال سنة 1955 لترميمه، مما أعاده الى الصورة التي كانت عليها. وما كان يدعو الى التألم هو أنه قد تعرض للتخريبات المدمرة في هوس "الثورة الثقافية". ولم تجدد ملامحه الأبعد ترميمه مرة أخرى سنة 1980. وقد ادرج هذا المسجد القديم في قائمة الآثار التاريخية المحمية في بلدة شانغهاي.

مسجد نيوجيه ببكين
مسجد نيوجيه من أقدم المساجد في شمالي الصين. وقد بني سنة 996م حسب ما  جاء في "تاريخ قانغشانغ". كان هناك عدد من المؤرخين يشكون في صحة ذلك. ولكن ينقصهم البرهان على نفي الأمر. ولذلك فان زمن بناء المسجد السالف الذكر ظل معترفا به على وجه العموم. وتفيدنا المدونات التاريخية ان أحد العرب، ويدعى الشيخ قوام الدين، قد جاء من بلده الى الصين. وكان معه ثلاثة أولاد: ابنه البكر صدر الدين، وابنه الثاني ناصر الدين، وابنه الثالث سعد الدين، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة. وكان من طبيعتهم ان عاشوا عيشة الاعتكاف، فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري. ولذلك فقد انعم على كل منهم بلقب أمام المسلمين حين استوطنوا الصين. أما صدر الدين فقد غادر مقره الى أماكن أخرى لنشر الإسلام، ولم يرجع. وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه (الناحية الشرقية من بكين)، كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية (أي ناحية نيوجيه اليوم) بأمر من الإمبراطور. وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم. وقد كان صغير الحجم في بادئ الأمر، ثم اصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م). وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم "لي باي سي" (دار الصلاة). ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكبوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية".
تبلغ مساحة هذا المسجد حوالي آلاف متر مربع. ومع ان مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة). وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة الى الغرب، وأمامها حاجز طوبي كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من مقصورات الأنصاب الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة.
وتتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولا، وتستغرق خمس فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمائة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصل في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير ان زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. وهي تثير في النفوس شعورا بالمهابة الإجلال. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل .. مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م). وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ مكونة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة واحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوس من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية القوية الخطوط .. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور النيلوفر المموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وهو يبهر الأبصار ويبعث على المهابة. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت الى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين أخيرين للشيخ احمد البرتاني المتوفى سنة 1280 م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا الى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.
ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر، أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين. اذ قيل انه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشي بالمسلمين الى الإمبراطور بدافع التقرب اليه، وزعم قائلا: "ان المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهار، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد". فتوجه الإمبراطور ¨C وهي في بزة مدنية- الى المسجد خفية للتحقق من الأمر. ولكن تبين له ان كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليم الإسلامية الداعية الى الخير والناهية عن الشر، فما لبث ان أصدر أمرا جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات انه: اذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا ..".
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949 خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميما شاملا ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس "الثورة الثقافية"، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع. وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كانت عليه سابقا.

جامع هواجيويه بمدينة شيآن
كانت شيآن تحمل اسم تشانغآن، وهي عاصمة الصين في عهد أسرة تانغ (618-907م). كما هي بداية طريق الحرير المعروف. ونظرا الى ان الصين وبلاد العرب قد حافظتا على علاقات حسن الجوار بينهما، فقد كانت تشانغآن مقصد أعداد كبيرة من العرب الذين جاءوا للتجارة أو للاستيطان. ويضاف الى ذلك ان جماعة من أهل الشيعة الهاربين من اضطهاد الأمويين، وجماعة من المسلمين العرب العسكريين الذين عاونوا أسرة تانغ في الإطاحة بعصيان آن لو شان، قد استوطنوا هذه المدينة. وقد عرفنا من المصادر العربية ان إمبراطور الصين لي يوي من أسرة تانغ قد بنى مسجدا في المدينة سنة 762م، مما أتاح للجاليات العربية الإسلامية ان يمارسوا عاداتهم. ومع ان هذه الحادثة غير مذكورة في المصادر الصينية، إلا ان وقوعها مكن تماما حسب الأحوال آنذاك.
 وفي شيآن اليوم بضعة عشر مسجدا وجامعا. ولكن جامع "هواجيويه" (التوعية) هو الأكبر من نوعه حجما. وقد سمي هذا الاسم لوقوعه في زقاق هواجيويه غربي برج الطبول بالمدينة وترى في الجامع أعداد كبيرة من الأنصاب الحجرية، ولكن تاريخ بنائه الوارد  فيها متعدد. فقد صار من الصعوبة بمكان تمييز الصحيح من الخاطئ. وارجح الظن ان الأنصاب الخاصة بجامع هواجيويه قد التبست بمثيلاتها الخاصة بالجوامع الأخرى التي طواها الزمان، واختلطت اختلاط الحابل بالنابل بعد نقل أنصابها الى هذا الجامع اعتزازا بالآثار الإسلامية. ومن جراء ذلك صعب على المرء تمييز أنصاب جامع هواجيويه من أنصاب الجوامع البائدة مع مرور الأيام.
وتقول الكتابات المنقوشة على أحد الأنصاب الحجرية الذي ظهر سنة 1405م إن الحاج ساي ¨C وهو من ذرية السيد شمس الدين من الجبل السابع ¨C قد أمر سنة 1392م بإعلان الأمر الإمبراطوري التالي: "لقد تقررت مكافأة كل أسرة من المسلمين بخمسين سبيكة من الفضة ومائة حزمة من الحرير، وإيوائهم في مكانين، وبناء مسجدين لهم، يكون أحدها في شارع سانشان بمدينة نانجينغ، والآخر في زقاق تسيوو بمحافظة تشانغآن، ويجوز لهم إعادة بنائهما إذا تهدما. ولا يسمح لأحد بالوقوف في وجه هذا الأمر .." وقد قيل ان المسجد في زقاق تسيوو الوارد في هذا الأمر الإمبراطوري هو سلف جامع هواجيويه اليوم. ولكن فريقا من المؤرخين رأوا ان الاستنتاج على هذا النحو غير سليم، بحجة ان زقاق تسيوو المذكور في الأمر الإمبراطوري غير معروف موقعه حتى الآن، فلا يمكن اعتباره زقاق هواجيويه اعتباطا في أي حال من الأحوال. زد على ذلك ان مساحة مسجد تسيوو الملاحظة على قفا النصب الحجري لا تمثل إلا ثلث مساحة جامع هواجيويه اليوم. ومع ذلك فان أصحاب المقولة الأولى لم يقتنعوا بهاتين الحجتين، اذ رأوا من جهة ان تغيير أسماء الشوارع والمدن ليس شاذا في التاريخ، واعتقدوا من جهة أخرى بأن إمكانية ازدياد مساحة أي مسجد في مجرى توسيع بنائه لا يمكن إبعادها. وعلى الرغم من ان المسألة المتعلقة بتاريخ بناء جامع هواجيويه ما زالت موضع جدل، إلا أن أغلبية المؤرخين يقولون ان تاريخه يرجع الى أوائل عهد أسرة مينغ (1368-1644م).
يبدو جامع هواجيويه على شكل مستطيل. وتبلغ مساحته ثلاثة عشر ألف متر مربع. وهو يشبه القصر الإمبراطوري الصيني بضخامة بنائه وروعة هندسته. فلا يعتبر من أكبر الجوامع في الصين فحسب، بل يعد من كنوز الفن المعماري الصيني. ويتكون هذا الجامع من أربع دور متراصة، تتوزع فيها أربع وثمانون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية توزعا متناسقا، مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات. وللدار الأولى بوابتان جانبيتان، تواجه إحداهما الجنوب، بينما تواجه الأخرى الشمال. وتجد في موقع بوابة الجامع حاجزا زخرفيا من الطوب، ارتفاعه أكثر من عشرة أمتار، وعرضه عشرون مترا. والى الداخل من الحاجز الزخرفي يقوم قوس خشبي منقوش جيدا. وهو يواجه قاعة مرور مؤدية الى الدار الثانية التي ينتصب فيها قوس ومقصورتان لاستيعاب الأنصاب الحجرية، تقع إحداهما يمينا، وتقع الأخرى شمالا. وللدار الثانية بوابتان أيضا، شأنها شأن الدار الأولى. وهناك قاعة مرور مؤدية الى الدار الثالثة التي ينتصب في صدارتها برج شاهق معروف باسم "شينغشين" (تهذيب النفس)، وعلى جانبيها جناحان جنوبي وشمالي. ولو دخلت في الدار الرابع، للفت نظرك "جوسق العنقاء" الخماسي الأقسام الرائع الهندسة. وهو يواجه قاعة الصلاة الضخمة والبعيدة عنه، مما يرمز الى "مواجهة العنقاوات الخمس للشمس". أما قاعة الصلاة فتستوعب ألف مصل في آن واحد. وهي صفوة مباني الجامع برمتها. كما هي مرآة الفن الزخرفي المسجدي في المناطق الداخلية من الصين. وعلى جدرانها نقوش خشبية من الكتابات العربية والأزهار الجميلة، تعطي مع أبوابها وشبابيكها الدقيقة النقش منظرا خلابا. ويتكون سقف القاعة مما يزيد عن ستمائة قطعة من المربعات الملونة، وفي صدارة كل منها كتابات عربية تحيط بها الرسوم الصينية التقليدية من كل الجهات. وأشد ما يلفت النظر هناك مقصورة المحراب وراء عمودين بلون قرمزي، نقشا بكتابات عربية مموهة بالذهب، إضافة الى ان المربعات الخشبية في أعلى العمودين المذكورين آنفا وعتبة المقصورة العليا ومتدلياتها الخشبية مطعمة بزخارف من كافة الألوان. والمحراب البادي على شكل عقد مخمس ليس مزخرفا بالكتابات العربية فحسب، بل يزدان بالرسوم الصينية الطراز. ويعتبر ذلك خير خليط بين الفن الزخرفي الإسلامي ونظيره التقليدي الصيني. وأمام قاعة الصلاة رصيف فسيح محاط بالدرابزونات الصخرية المخرمة الشهيرة بدقة نقوشها. وتجد في الركن الجنوبي الشرقي من الرصيف صخرة غربية مثلثة الشكل على نحو غير منتظم، قيل إنها محك لنزاهة الموظفين والمسؤولين. فإذا دق أي موظف نزه المسمار عليها تسمر فورا. والطريف ان على سطحها أكثر من مائة مسمار، تنتصب تمام الانتصاب. وفي الركن الشمالي من الرصيف صخرة سميت "الفأرة البيضاء" لأنها تبدو كفأرة بيضاء حية عند النظر إليها عن بعد. كما ان في ركن الرصيف الشمالي الشرقي ساعة شمسية مصنوعة من لوح حجري مستطيل، وفي وسط سطحه حفرة مستطيلة لإثبات المزولة. وبالإضافة الى ذلك ترى على سطع اللوح الحجري ثلاثة صفوف من الثقوب المستطيلة، تستعمل في معرفة الوقت حسب الظلال التي ترميها المزولة عليها. وجدير بالذكر ان اللوح الحجري مثبت على قاعة صخرية مرتفعة اكثر من متر تحته، فهو قابل للتكييف حسب الحاجة. وتفيدنا مدونات الفلكي الصيني الكبير مي دينغ جيو (1638-1721م) بأن المساجد الصينية جميعها آنذاك كانت تزهو بالساعات الشمسية المماثلة لها. ولكن ما بقي منها حتى الآن نادر جدا.
وبفضل ضخامة مباني جامع هواجيويه وكثرة آثاره التاريخية فقد أدرج في قائمة أهم الآثار المحمية إلى نطاق البلاد، كما اصبح مزارا هاما يرتاده السائحون الذين يقصدون شيآن للمرة الأولى. وبعد ان قامت الصين  بتطبيق سياسة الانفتاح على الخارج، توارد الى جامع هواجيويه جماعات وجماعات من الضيوف الأجانب مظهرين إعجابهم الشديد به. كان من بينهم رؤساء دول وحكومات وموظفون كبار كثيرون. ولما قام السيد فهمي هويدى أحد العلماء العرب المرموقين بزيارة جامع هواجيويه عام 1980 قال متعجبا: " إنها لمفاجأة حقا ان يكون هذا الجامع الصيني بهذه الفخامة، وان يكون المصلون فيه بهذا الحجم الكبير. والأهم من ذلك ان اكثر المصلين من الشباب، وهذه هي المفاجأة الكبيرة." وكفى بتعليقاته هذه دليلا على عظمة هذا الجامع العريق، وعلى احتفاظه بالازدهار الدائم على كر العصور.

جامع توتغشين في نينغشيا
تقع محافظة توتغشين في المنطقة الجبلية الجنوبية بنينغشيا. ويمثل المسلمون فيها 80% من مجموع سكانها. ويتواجد اليوم فيها أكثر من ثلاثمائة مسجد، علما بأن جامع تونغشين الواقع في المركز المحافظة هو الأكبر والأقدم من نوعه. وقد بني هذا الجامع في زمن غير معروف. ويعتقد بأن تاريخه يرجع الى عهد أسرة تشينغ (1644-1911م) على وجه التقريب. وتفيدنا التدوينات التاريخية بأن منطقة نينغشيا قد شهدت انتفاضة مسلحة شارك فيها عشرات الآلاف من الثوريين المسلمين بتأثير من ثورة مملكة السلام السماوية (1853-1864م). وكان جامع توتغشين مقرا لقيادة الثوريين المسلمين بزعامة يانغ شنغ شيانغ، على خط النار. وقد انهدم الجامع بحرائق متعمدة على أيدي القوات المسلحة الحكومية بعد احتلالها مدينة تونغشين سنة 1865م. وبعد أربعين من ذلك قام المسلمون هناك بإعادة بنائه اعتمادا على تبرعاتهم، الأمر الذي جعله يحتفظ بملامحه الأصلية المبدئية. ولكن زخارفه الجديدة اقل روعة من زخارفه الأصلية.
ينتصب الجامع على مصطبة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار، وهي مكسوة بالطوب الأزرق الضارب الى السمرة. ويبدو الجامع في منتهى المهابة والروعة لارتفاع موقعه. وتفتح بوابته الى الغرب. وقبالته حاجر زخرفي من الطوب، نقش عليه رسم جميل تحت عنوان "القمر بين أشجار الصنوبر والسرو" وعلى جانبيه عبارتان متوازيتان، إحداهما في تسبيح الله، والثانية في الصلاة على نبيه المصطفى.
ومع ان جامع تونغشين أصغر حجما من سائر الجوامع في الصين، إلا أن زخارفها المعمارية لها سماتها الخاصة. فأنت ترى على جملون قاعة الصلاة اليساري مثلا نقوشا دقيقة وممتعة، تصور أدوات الكتابات الأربع (القلم والحبر والورق والمحبرة) وطقم الشاي وأزهار البرقوق وعود الصليب واللوطس وأشجار الصنوبر والسرو ودالية العنب وشجيرات البامبو ..الخ. أما أبواب قاعة الصلاة ونوافذها الخشبية فهي تسر الناظرين أيضا بما تزهو به من الزخارف الجميلة. من ذلك ان ستة عشر ضلعا من أبواب القاعة المخرمة مميزة بأربعة أنواع الشعريات، مما يجيز لنا القول بأن هذه الأبواب من روائع الصناعات الفنية الى جانب قيمتها الاستعمالية. وذلك يزيد من رونق القاعة الى حد كبير. ومع ان قاعة الصلاة عتيقة وبسيطة وخالية من الزخارف المبرقشة ، إلا ان حسن إضاءتها ونظافتها تشرح الصدور.
ولا يعتبر جامع تونغشين مجرد متعبد مفضل للعابدين، بل له قيمته الأثرية الثورية، إذ أعلن فيه عن تأسيس حكومة محافظة يوهاي الذاتية الحكم لقومية هوي سنة 1936 بمساعدة الجيش الحمر للعمال والفلاحين. وما ان تحررت هذه البقعة حتى أدرج الجامع في قائمة أهم الآثار المحمية. ونتيجة لذلك فقد صار في مأمن من التخريب، حتى في هوس "الثورة الثقافية". ومنذ تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج في الصين استقبل جامع توتغشين عددا كبيرا من البعثات الإسلامية والأخوة المسلمين من مختلف البلدان، والذين عبروا عن سرورهم الشديد بنجاته من التخريب الجسيم بأعجوبة.
  
  
 
  

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...