كلنا مسؤولون امام الله





إن الامة الاسلامية اليوم تعيش أحداثاً مؤلمة وبلاء مستمر يؤكد لكل عاقل ومتدبر أننا نسير في طريق الهلاك، ونلقي أنفسنا في شباك الشيطان الذي إتخذناه لأمرنا مالكاً، فجعل منا أدوات يحقق بها أهدافه الشيطانية، حتى صار ينظر بأعيننا، وينطق بألسنتنا، ويركب بنا الزلل، ويزين لنا الخطل، ننطق بالباطل على لسانه، ونفتخر حينما نشارك الشيطان في سلطانه، فأصبحنا نرى الجور عدلاً، في الوقت الذي نمسي ونصبح فيه على ميت يُبكى، وحيٌ يعزّى، وصريع مُبتلى، وآخر بنفسه يجود، وطالب للدنيا يطلبه الموت، وتائهٌ لا يعلم الى أين المسير.


نعيش في عالَماً عجيباً، لم نتصور يوماً أن يدور بنا الزمن لنصل اليه، عالماً تطاع فيه الأحقاد، ويُستحسن فيه القبيح، وتُستهان به حقوق الإنسان، ويُستعان فيه باللئام. حتى صرنا وجبة وفريسة لكل طامع، يطمع فينا القريب والبعيد، ونحن نتصارع فيه على سلطان زائف، وحكم بالي، أساسه خبيث، وبناءه مائلٌ على جُرف هارٍ، ما أسرع أن ينهار بنا الى الهواية.

فما بالنا خفّت عقولنا وسفهت حلومنا حتى أصبحنا بهذا الحال المزري، يستحوذ علينا الأراذل فنرضى، ونقع فريسة للضباع والوحوش التي لا ضمير لها، ونضحك على أنفسنا بتبريرات ثمن الحرية والديمقراطية، ولا أدري متى كان ثمن الحرية هو أن نسقط فريسة بيد الأشرار ويسيطر علينا الطامعين والفُجّار؟ فأي ثمن وتضحية التي تجعل خوفنا من الخلائق تعقلاً وحكمة، ومن الله شعاراً من الصعب تأديته. ننخدع بحلاوة الباطل، ونجزع من مرارة الحق، ونستصلح العدو فنزيد من عدده، ونطلب العز بغير الحق، ونحمد المذموم، ولا نتعظ ممن كان قبلنا أو ممن حولنا، ولا بالعِبر أو النُذر، حتى صرنا مثالاً تضرب به الأمثال، وصرنا أحاديث على ألسنة الناس والأمم.

كل هذا يحدث لنا لأننا فرّطنا بحقنا، وفرّطنا بمسئولياتنا وواجباتنا، فرّطنا بالحق الذي كان علينا أن ننصره، فرّطنا بكل ذلك لأننا خفنا، أو لعله بعبارة أخرى أخفنا أنفسنا. التفريط بنصرة الحق له عواقب وخيمة يطول أمدها وقد يصل قروناً من الزمن فيكون وبالاً وبلاء على المجتمعات والأمم. إننا نسمع كلمات الحق والنُذر والنصيحة بين الفينة والأخرى، ولعلنا نسمعها كل يوم، ويسمعها الناس من حولنا، ويسمعها المفكرون والنخب والعلماء، يسمعون كلمات الحق والنصحية، وكلمات التحذير والنُذر من العواقب، ولكننا لا نهتم لأي من ذلك، وكأن الصمم قد أصابنا، والشلل أصاب عقولنا بالخدر فلم تعد قادرة على الإستيعاب والتفكر.

علينا أن ندرك بأننا حينما نصبح من الأقوام التي لا تكلف نفسها أن تفهم الحق والصواب في زمننا هذا، ولا تبحث عنه وعن تفاصيله، لتعرف أين يكمن وخصوصاً في زمن الفتن، فإن ذلك سيحرمنا القدرة على التفريق بينه وبين الباطل، في الوقت الذي نتميز نحن به عن الأمم الماضية بحملنا لتاريخنا المليءَ بالعبر والأحداث، فعلينا أن ندرك أننا إذا بقينا على هذا الحال نكون أسوء من قبل. ومع شديد الأسف نحن اليوم نكرر نفس تلك المواقف، ونعيش حالة مشابهة للتي عاشها أولائك الذين كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام وأهله وتشريعاته، فهم ان كانوا سبباً في تهيئة الساحة للسقوط في يد سلطة الأشرار، فنحن اليوم بتفريطنا وسكوتنا وقبولنا بالأمر الواقع أسوء حالاً منهم، ونهيء الساحة بمواقفنا هذه التي تعطي الفرصة ليتسلط علىنا الأشرار من جديد كأمريكا والصهاينة وغيرهم .

مشكلتنا أننا نميل إلى السكوت والرضى بالأمر الواقع، لأن ذلك بالنسبة لنا الحلّ السهل الذي لا يكلفنا بذل الأموال، أو الدماء ولا الضرر في المواجهة، لأننا في واقع أنفسنا نريد إسلاماً سهلاً لا يعرف سوى السلام والقعود والرضى بالأمر الواقع، حتى لو كنا نعلم أننا نُنهب ونُعذب، وحتى لو كان في هذا الموقف أو ذاك تشريعاً للخطأ وتشريعاً للباطل وأهله، أو إضعافاً للحق وأهله، وتجد الأعذار المبررات دائماً حاضرة ... مرة بعنوان فن الممكن، ومرة بعنوان الواقع المفروض علينا، ومرة سحب البساط الذي لا وجود له، ومرة الإنقياد والطاعة والإنتظار، وغيره الكثير من تلك المبررات.

يا اخوتي من امتي إعلموا أن لله سننٌ في الكون لا تتغير، والله ليس بظلام للعبيد، وأنه سبحانه لا يسلط علينا البلاء، ولا يطيل أمد العذاب على شعوبنا، ولكننا نحن من يفعل ذلك بأنفسنا، لأننا جاهلون بتلك السنن. فمن سنن الله سبحانه أنه كتب على الأمم إن لم تتحرك في مسؤلياتها وواجباتها في المواجهة، سيعمهم البلاء، ويتسلط عليهم الظالمين. خذوا العبرة من القرآن الكريم وأنظروا في قوله تعالى لبني اسرائيل {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ} لماذا حُرّمة عليهم أربعين سنة؟ ولماذا حُكم عليهم بالتيه؟ الجواب واضح في القرآن الكريم، لأنهم جهلوا سنن الله، ولم يقوموا بواجباتهم ومسئوليتهم في المواجهة. فحينما أمرهم الله بنصرة الحق ودخول الأرض المقدسة، أجابوا إن فيها قوماً شديدي البطش والبأس، وهم موجودون في هذه الأرض لا في غيرها، وإنا لن ندخلها بالقتال حتى يخرجوا منها، فإن خرجوا منها فإنا حينئذٍ داخلون. إنهم اتخذوا موقفاً أشبه بمواقفنا التي نعيشها اليوم، خافوا كما خفنا، وأرادوا السهل كما نريد نحن أن نعيش الإسلام السهل، الذي لا تعب ولا ضرر فيه.

وعندما قال لهم رجلان من الذين يخافون الله، ادخلوا عليهم باب مدينتهم، فإنكم تغلبونهم وتنتصرون عليهم، وإن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله وحده. أنظروا كيف يصف الله الرجلين بأنهم من الذين يخافونه، لأنهم دعوا الناس الى القيام بواجب التصدي والمواجهة. ولم يُخوِفوا أنفسهم ببطش وجبروت الظالمين والأعداء. فما كان رد القوم إلا احتقار هؤلاء الرجلين، وهو نفسه الذي يحدث اليوم من إحتقار لكل من ينصح الأمة، ويذكرها بواجبتها وينذرها من عواقب مواقفها الخاطئة. ولذلك نجد بني اسرائيل لم يجيبوا الرجلين إستخفافاً برأيهم، وتحقيراً لهم، فوجهوا كلامهم الى موسى مؤكدين أننا لن نختار سبيل العنف، أو القوة، أو طريق المخاطر، ابحث لنا عن سبيلٍ سهل لا يكلفنا أنفسنا ولا يُشعرنا بالخوف والرعب، ولا يُصيبنا بالضرر في أنفسنا. وإن لم تجد حلاً أسهل مما تطلبه منا، فاذهب أنت وربك وقاتلا!

في هذه اللحظة حكموا على أنفسهم بالعذاب الطويل، فعمهم الله بالبلاء وتاهوا أربعين سنة مشردين ومشرذمين، مع العلم أن نبي الله موسى كان قائماً فيهم، وما اكبر وأعظم مقام النبي عند الله سبحانه، ولكن الله قال لنبيه: أن لا تحزن يا موسى على القوم الذين خرجوا عن طاعتي وعصوا أمري في القيام بمسئولياتهم التي أوجبتها عليهم. لأن سنن الله لا تتغير مهما كانت الأسباب، فان لم تتحرك الأمة ولو بالقدر الأكبر لن يتحقق النصر، ولن ينكشف البلاء..

فتمعنوا يا اخوتي بما يصيبنا من بلاء مستمر، وما يصيبنا من عذاب وقهر وحرمان، وإعلم أننا السبب في ذلك كله، ونحن المسئولين عن كل ما يحدث لنا، كما كانت الأمم التي ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم سبباً فيما أصابهم. لنرجع لأصولنا إن كنا مسلمين فلا تزال لدينا شهامة المسلم وإباه ونخوته، واليكن لنا موقف ذاك المسلم الأبي الذي لا يرضى الذل ولا الهوان الذي نعيشه.فالنرجع لإسلامنا وديننا، ها هو القرآن الكريم يؤكد لنا في الكثير من آياته وجوب أن يكون لنا موقفاً في مواجهة الباطل، وموقفاً في نصرة الحق. هل يرضى الله لنا أن نقبل بتلك الوضعية التي نحن عليها ولا يكون لنا موقفاً؟ أن نرضى بالقهر والذل والضعة، وأن نعيش على فتات الآخرين دون أن نتخذ موقفاً واضحاً في رفض كل ذلك؟ يجب أن يكون لنا موقف من كل هذا، وإن لم نفعل فلا نلومن إلا أنفسنا على ما يصيبنا من ذل في الدنيا وما سيصيبنا من خزي في الآخرة، لأن سنن الله لن تتغير من أجلنا، وهو القائل في محكم كتابه {مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.

ونقول لكل من يسألون عن البديل، وماذا يمكن أن نعمل؟ نقول لهم تحركوا وارفضوا هذا الواقع المزري، فالعجب العجب ممن لا يجد قوت يومه ولا يخرج شاهراً سيفه. هنالك الكثير من المجالات التي يمكن أن يتحرك الإنسان فيها رافضاً لواقع الظلم والذل والحرمان، فالظالمين يخافون تحركنا مهما صغر حجمه، ويشعرون بخطورة تحركنا في أي مجال من المجالات خوفاً على أهدافهم ومشاريعهم، وعلى مكانتهم في المنطقة. إبدأوا بأضعف الإيمان، وتحركوا ولا تنتظروا أحداً ليتحرك قبلكم، وأثّروا على من هم حولكم. أزيلوا الغطاء والغشاوة من على عيون وقلوب أخوانكم ليتحركوا معكم. وأشعروا في قرارة أنفسكم أنكم مسئولون أمام الله وأمام الأمة التي ننتمي لها، وأمام الإسلام الذي نؤمن به. وان لم نجد ما نفعله، ألسنا نملك أن نصرخ؟ أفلا تملكون أن تصرخوا ضد الظلم، وضد القهر؟ أن تصرخوا ضد أمريكا التي تستعبدنا باسم الديمقراطية. فالصراخ أبسط ما يمكن أن نفعله من تحرك. صرخة في كل محفل وفي كل تجمع، لعلنا نراها سهلة أو لا قيمة لها، ولكنها بالنسبة للظالمين كبيرة وتعد مواجهةً وتحدي، وتهديداً لملكهم.

ولا تكترثوا لما سيقوله المنافقين والمرجفين الذين سيخوفونكم هنا وهناك كما خوف أنفسهم بني اسرائيل من بطش وجبروت الظالمين، وثقوا أنكم حينما تجدون من يخوفكم من هذا العمل البسيط فهو يعكس مدى فعالية تحرككم وصرخاتكم، ومدى أثرها ووقعها على الظالمين. اصرخوا صرخة واحدة ولا تأخذكم في الله لومة لائم، اصرخوا ضد امريكا التي جلبت الموت والقهر لنا، أصرخوا بالموت للظالمين والطغاة الذين يحرمونا أن نعيش بعزة وكرامة.

إن لمثل هذه الصرخة أثراً أكبر مما نتصوره، لأنها ستجمع الناس الذين تفرقوا بسبب الفتن، وسيدوي صداها في عروش الطغاة لتهتز قواعدها على أثر تلك الصرخات، وستصيب الظالمين بالأرق والرعب والتخبط، وتقرب لنا الفرج وتبشرنا بانكشاف البلاء.

تذكروا أننا إن لم نفعل ونتحرك ولو بأضعف الإيمان، فنحن مسئولين أمام الله وأمام التاريخ عن كل ما يصيبنا في الدنيا، وعن كل ما سيصيبنا في الآخرة، والله ليس بظلام للعبيد.

{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...