قاللكم :بن علي ضيفنا ولن نعيده اليكم

والله إنه لعجب عجاب أن ترى الأرض التي كانت مهداً لعقيدة العدل والفرقان، تتحول إلى ملاذٍ آمنٍ للمجرمين والقتلة الذين أوغلوا في الظلم والفساد. وعندما نقول الذين أوغلوا، فإننا نعني أنهم قاموا بارتكاب أبشع الجرائم بحق الملايين من شعوبهم، وأسرفوا في النهب والسلب والقتل والتعذيب، ولم يتورعوا عن الخيانة والتآمر على هذه الشعوب التي يفترض أن يكونوا من أبنائها ويفترض أن يكونوا رعاتها.

هل يعقل أن تقوم دول الغرب التي دعمتهم وأغوتهم ووظفتهم، بإغلاق أبوابها في وجوههم، وتشرع بتجميد أموالهم وعقاراتهم المقدرة بعشرات البلايين، بينما تقوم بعض الدول العربية بحمايتهم وحماية مسروقاتهم التي نهبوها من شعوبهم ظلماً وعدواناً؟
لقد حاولت جاهداً من دون جدوى، وأنا أبحث عن أي عذرٍ يبرر للدولة السعودية إيواء الدكتاتور التونسي المجرم، وهو الذي خلعه الشعب بعد أن عانى من ظلمه وفساده طوال عقدين متواصلين، حتى بلغت به الوقاحة إلى الدرجة التي جعلته يزايد على فرنسا في مضايقة النساء اللواتي فضلن ارتداء الحجاب. ومع هذا فإن فرنسا التي دعمته في السابق، لم تتورع عن منعه من اللجوء إلى أراضيها، وقامت بالتحفظ على ممتلكاته وممتلكات أعوانه، بينما قامت كندا باعتقال صهره وأمرت بإعادته إلى تونس لكي يمثل أمام القضاء من أجل محاسبته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب التونسي.
لقد حاولت إيجاد أي منطقٍ لتفسير الموقف السعودي، وقد بدأت باللجوء إلى البعد الإسلامي الذي تقول العائلة السعودية أنها ترفع رايته، فلم أجد في القرآن الكريم آيةً واحدةً تبرر لأي مسلم أن ينصر الظالم على المظلوم، ولم أسمع بحديث واحد للرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن إيواء السارق الذي نهب أموال العامة وأمر بإيداع من يتظلم منهم في غياهب السجون، لكي يتعرضوا لأبشع أصناف التعذيب، بينما أمر الله والرسول بالإحسان لأسرى الحرب الذين كانو للتو يقاتلون المسلمين. حتى أن الله سبحانه قال عن أصحاب الجنة في وصفه لما عملوا حتى استحقوا هذا الثواب في سورة الإنسان قائلاً 'ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا' صدق الله العظيم.
يوماً عبوساً قمطريرا ينتظر كل من يقمعون الشعب وينهبون أمواله ويدعون لأنفسهم الحق بامتلاك العباد، وما أودعه الله لهم من الأرزاق فوق الأرض وفي جوفها، ليبذخوا به ويعيشوا حياة إسراف لم تعهدها البشرية من قبل، بينما يعيش أهل الجزيرة العربية كجالية عند العائلة السعودية التي تتصرف وكأنها تمتلك الأرض ومن عليها.
ليس وحده البعد الإسلامي الذي لا يوجد فيه ما يبيح للحكم السعودي مثل هذا السلوك الهجين على أمة التوحيد، التي أخرجت للبشرية أنبل وأسمى آيات العدل والرحمة، وضربت أمثالاً عظيمة في العدالة مع الناس على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم، ولكن هذا السلوك قد استعصى على القبول من أي مفهومٍ إنساني إذا ما حاولنا وزنه بالمقاييس الإنسانية البشرية البعيدة عن القوانين السماوية.
لقد كان الموقف السعودي الرسمي داعماً لعدو الشعب التونسي المخلوع، ولم يتردد بالمبادرة لتقديم الدعم والإسناد لعدو الشعب المصري، الذي حول مصر إلى شركة مملوكة لعائلته ولمنافقيه من رجال الأعمال، الذين استولوا على مقدرات الشعب وأذاقوه شتى أصناف القهر والإذلال.
نقول للشرفاء الذين نؤمن بأنهم موجودون في بطون العائلة السعودية، أن واجبهم العقائدي والإنساني يستدعي تحركهم الفوري وأن تفكر وتعبر وتشارك في صنع حاضرها ومستقبلها من دون وصايةٍ من أحد.
رياح التغيير قادمة لا محالة، وهي قادرة على جسر الموانع الجغرافية والسياسية والأمنية وحتى العسكرية، وستجتاح المنطقة بكاملها، لأنها المحصلة المنطقية لارتفاع منسوب الوعي الجماعي عند الشعوب التي تمكن شبابها من امتطاء صهوة (الجواد الرقمي الإلكتروني) وهو القادر على التحليق في فضاء هذا العالم الرحب، ليكتشفوا أن العالم الذي فصلته حكوماتهم لم يكن إلا قُمقماً ضيقاً في البعد والرؤية والأفق. وليكتشفوا كيف قامت هذه الحكومات بتبذير ثرواتهم وتحالفت مع أعدائهم، بينما أمرتهم بالاقتصاد في استهلاك عقولهم وتفكيرهم، حتى أنها مسخت إنسانيتهم بممنوعاتها التي طالت مواهبهم وحولتهم إلى قطعانٍ مهمشةٍ من الصم البكم والعمي الذين لا يفقهون.
لقد بددت هذه الأمة الكثير من الفرص، وأهدرت من الزمن الثمين عقوداً طويلة تقدمت فيها الأمم الأخرى بسرعات فائقة، لتترك الشعوب العربية تتخبط خلفها في غبار الحضارات، بينما تستخدم ملياراتها، وربما ترليوناتها في دفع الآخرين إلى الأمام لتبقى هي تجتر الفتات من منتجات هذا الآخر.
أمام كافة الأنظمة العربية فسحة صغيرة من الزمن لتحويل مسارها من حالة الاستفراد بالسلطة واختزال الشعوب في شخوصها التي لا تنتمي إلى العصر ولا تخضع للمنطق، إلى فتح الأبواب الواسعة أمام شعوبها لكي تأخذ بناصية مصيرها، من خلال فسح المجال أمامها لممارسة حقها في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تؤدي إلى وجود تمثيل حقيقي لها في برلمانات حقيقية، لأنها سئمت من رواية البيعة المطلقة لـ'جلالة الملك المفدى'، أو لنتيجة الانتخابات التي تتمخض دائماً عن الفوز الساحق الماحق للرئيس الملهم بنسبة تفوق التسعين في المئة.
هل تصر هذه القيادات على مواجهة ذلك اليوم العبوس القمطريرا؟ أم أنها ستتعظ وتفسح الطريق لهذا الطوفان القادم الذي سيقوم بجرفها، أو قلعها، أو سحقها، بطريقة مماثلة للطريقة التي انتهى بها طغاة كلٍ من تونس ومصروليبيا وسوريا واليمن؟

1 commentaires:

كلاب ال سلول دنسوا ارض الحرمين بقبح فعالهم نسال الله ان يرينا فيهم يوما عبوسا قمطريرا لاشاعتهم المنكرات في ارض الحرمين

 

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...