الاعلام التونسي:وسيلة تشويش فكري


سنحاول في هذا المقال رؤية جزء من أساليب تشويش الأفكار التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام التونسية.‏


في نطاق دورها, تقوم وسائل الإعلام بعملية مزدوجة تتمثل في توزيع وإنتاج الأفكار.

الإعلام كأداة توزيع للأفكار:‏


نقصد بعملية التوزيع, المجهود الذي يبذل لعرض أو طرح أو كتابة أو نقل محتوى إعلامي, أنتج أصلا من خلال طرف ‏آخر, مع إمكانية إدخال عملية تحوير على محتواه في نطاق العمل الصحفي المشروع, وهذا العمل يشمل وجهين:‏

‏1 - تحوير المحتوى من حيث الكمية أو الحجم: من ذلك تقليل أو زيادة حجم مقال, أو تقليل أو زيادة المدى الزمني لبرنامج ‏إذاعي أو تلفزي, بدون أن يغير ذلك من الفكرة التي يريد أن يوصلها العمل الصحفي الأصلي, وهذا يتعلق بالعمل الإعلامي ‏المحايد والمطلوب توفره, وهو الذي يحافظ على الأفكار الأصلية للعمل الإعلامي.‏
‏2 –تحوير المحتوى من حيث الفكرة الموجهة: وذلك بالتصرف في المحتوى لغرض إبعاد فكرة يحملها العمل الأصلي, أو ‏إضعافها او تحريفها, وهذا يتعلق بالعمل الإعلامي الذي تقوم به أطراف تستغل الأعمال الإعلامية لتوجيه معاركها الفكرية. ‏ومثل هذا العمل يمكن أن يتبع التالي لإنجازه:‏

‏ 2.1- التصرف في العمل من حيث مداه الزمني بالزيادة أو النقصان المنتقى المتعمد الواعي (عكس التحوير في المحتوى ‏من حيث الكمية أو الحجم الذي يتم من دون هدف آخر غير تقليل المدى الزمني من دون الإخلال بالأفكار الرئيسية فيه), أي ‏يعمل على إبعاد أو زيادة بالقدر الذي يحقق الهدف.‏

‏2.2- التصرف في العمل من حيث أفكاره الرئيسية, وذلك عن طريق عدة أساليب منها:‏
‏2.2.1-

الترتيب

: بحيث يكفي أحيانا أن يبدل ترتيب لقطات في برنامج تلفزي, أو فقرات في مقال, لينقلب المعنى كله.‏

‏2.2.2-

الإيحاء

: وذلك عن طريق إيصال فكرة للمتلقي بطريقة غير مباشرة, تتكون لدى هذا الأخير عن طريق الإيحاء من ‏خلال المحتوى المباشر المتلقى, كأن تظهر المعلقات الإشهارية نساء بائسات متعرّيات على أنهن المثل الأعلى ممّا يوحي ‏بطريقة غير مباشرة للمراة التونسية المتلقية أن ما تشاهدهن هن النموذج الواجب إتباعه في اللباس والسلوك ونمط الحياة.‏

‏2.2.3-

الإبعاد

: هناك رموز أو كلمات ذوات محتوى إعلامي قوي يقع حذفها من البرنامج الموزع او المقال, كان يقع حذف ‏كلمة "الكفار" أو الجهاد من بعض الأعمال الإعلامية, لأنها كلمات "قطبية/محورية", يمكن ان تغير لوحدها اتجاه البرنامج أو المقال ‏المعني كاملا.

‏2.2.4-

التشويه

: يمكن ان يتصرف في البرنامج الموزع أو المقال الأصلي, بحيث أن ترك الجزء الغير مرغوب فيه, ‏يضيع الفكرة الأصلية المقصودة, كان يعمد لأخذ جزء من حوار تلفزي يتناول فيه أحد الأطراف مواضيع عديدة ومنها ‏مقاومة المحتل والجهاد, ثم تحذف كل الأفكار المتناولة في اللقاء ولا يترك إلا تلك التي تتحدث عن المقاومة والجهاد, ويقع ‏إبرازها بجانب لقطات أخرى تظهر عملا إرهابيا وقع في إحدى الدول الإسلامية, تصور ماذا يمكن أن يترسخ في ذهن ‏المتلقي: من يقول بمقاومة المحتل والداعي للجهاد هو إرهابي يضرب مجتمعه ومواطنيه, إذن شوه مبدأ الجهاد ومقاومة ‏المحتل من خلال عملية تصرف مخادعة.‏

‏2.2.5-

التذويب

: وذلك عن طريق إضعاف تاثير فكرة نسبة لمجموع الأفكار المضمنة في مقال أو برنامج, حتى يتلاشى ‏تأثيرها فتذوب, ويكون إما عن طريق حصرها بين أفكار مقابلة مع التقليل من مساحتها الزمنية أو حجمها, مع الاستعمال ‏المتزامن لمجموعة أخرى من الأساليب (الترتيب, الإيحاء, التشويه..) لكي تصل الفكرة للمتلقي في النهاية وقد ضاعت, بل ‏قد تنسى قبل نهاية البرنامج او المقال.‏

‏2.2.6-

العزل

: وهو التصرف في العمل الإعلامي, بحيث تظهر الفكرة الأصلية وقد عزلت عن سياقها, وهذا ينتج شيئين, إما ‏أن الفكرة لن تفهم من المتلقي, فيخالها خارجة عن الموضوع, أو أن يقع إظهارها على أنها نشاز مدعاة للسخرية.‏

‏2.2.7-

السخرية

: هي نتيجة لبعض او كل الأساليب المذكورة سابقا, وهو هدف يقصد منه ضرب فكرة ما عن طريق إسقاط ‏الجدية عنها, وإنزالها من مستوى الفكرة إلى مستوى الطرفة المشاعة.‏


الإعلام كأداة إنتاج للأفكار:‏

يمتاز العمل الإعلامي المنتج عن نظيره الموزع, من حيث ان منتجه يملك القدرة الكاملة على تضمين ما يريد من أفكار ‏داخل عمله الإعلامي منذ البداية, وبالتالي فإن اغلب الأساليب التي ذكرناها سابقا يمكن أن تستعمل أيضا هنا, على أننا ‏سوف نتناول بعض ما يميز العمل الإعلامي المنتج حينما يراد منه أن يكون وسيلة لقيادة مواجهة فكرية, وسوف نتناول فقط ‏أولئك الذين يقودون حربا فكرية ضد مكونات الهوية التونسية, رغم انهم من بني جلدتنا بل تونسيون, وهم خليط عريض ‏تجمعهم كلمة فضفاضة تسمى "العلمانية", ينتسبون إليها ويغطون بها انحرافاتهم الفكرية.‏
ينتشر مثل هؤلاء في قطاع إنتاج الأفلام والمسرح, وبعض من وسائل الإعلام الأخرى بدرجة ثانية. ولأنهم يحملون أفكارا ‏غريبة عن المجتمع التونسي, فإن تحركاتهم تحكمها مجموعة من السمات, يمكن أن نبوبها كالتالي:‏

‏1.‏

التشكيك

: وهو السعي لخلق أسئلة لدى المتلقي للعمل الإعلامي, وتكون الأسئلة موجهة لزعزعة الأفكار والمبادئ ‏التي طالما اتفق التونسيون عليها, وتهدف لدفع المتلقي إلى إنزال مبدئه من موقع المقدس إلى موقع المشاع, كتمهيد ‏لضرب ذلك المبدأ, و يتبع التشكيك الطرق التالية:‏

‏-‏ ‏1.1

التشكيك في الأسس

: وهو يكون عادة عملا منهجيا علميا, ويسعى للتأسيس لهوية تونسية بدون مكوناتها ‏العربية و الإسلامية, من ذلك الكتب والمعلقات التي ينتجها البعض والتي تتحدث باستفاضة عن الحضارة ‏القرطاجنية, وذلك بنشر أعمال عديدة عن هذا الموضوع, بل إن إحدى دور النشر(يعتقد انها ذات مساهمة فرنسية) ‏قامت بطباعة ما تقول انه الأبجدية الفينيقية (نسبة لقرطاج), وهو ما يعتبر أول محاولة أكاديمية لبعث جذور ‏حركات عرقية في تونس, والتأسيس العلمي لها. كما إن من التشكيك في الأسس أيضا, تلك الاعمال الفكرية التي ‏تهون من تأثير المراحل الإسلامية على تاريخ تونس, او تلك التي تحاول عدم إظهار الطابع العربي الإسلامي ‏لتونس.‏

‏-‏ ‏1.2

التشكيك في البناء

: وهو يستهدف ما هو شائع لدى التونسي من تمسكه بمبادئه وعاداته, فتقوم عمليات ‏التشكيك بطرح الأسئلة الغير مباشرة في هذا البناء القائم عن طريق أعمال فنية أو كتابات, كالأعمال التي تروج ‏للتعري والفسق وتمجد القائمين عليها, وتصوير ذلك على انه من الفن, إذ مثل هاته الإنتاجات الإعلامية تضرب ‏بطريقة غير مباشرة ما اعتاد عليه التونسي من النظر بعين التحقير لمن يسمون بفنانين أو مغنين وخاصة أولئك ‏المسرفين في الابتذال, ومنذ فترة ليست بالبعيدة كان التونسي يخجل من أن يشاهد صحبة أفراد العائلة مناظر ‏التعري بالتلفزة, والآن تغير الأمر بفعل نجاح هؤلاء المشككين في تصوير الأمر على انه عادي وان ذلك من ‏التطور, وهو ما يعني في النهاية دفع المتلقي للتشكيك في مبادئه, كمقدمة لتخليه عنها, لأن الإنسان لا يمكن ان ‏يتخلى عن مبدئه, إلا حين يشك فيه وفي صلاحيته أولا.‏

‏-‏ ‏1.3

التشكيك في الرموز

: وهو تناول الرموز التي تحمل زخما خاصا لدى المواطن التونسي, بشيء من الأسئلة ‏أو الإشاعات بحيث تجعل التونسي يعيد النظر في احترامه لها. وتركز عمليات التشكيك على الرموز الإسلامية ‏دون سواها, من ذلك مثلا ما كتبته أخيرا إحدى النسوة من فصيل العلمانيين بتونس, إذ تناولت الصحابي الجليل ‏‏"خالد ابن الوليد" وطعنت فيه, ووصفته بأنه يقاتل من أجل سبي النساء الجميلات, وهو كلام فضلا عن خطله ‏العلمي ونية التشكيك التي يحملها, يمثل جرأة تصل حد الوقاحة لا يملكها إلا من أوتي احتقارا كبيرا للمواطن ‏التونسي ولاعتقاداته. ‏

‏2.‏

التقية

: يستعمل هؤلاء الذين يستهدفون مكونات الهوية التونسية أساليب يحاولون بها إخفاء نواياهم الحقيقية, ‏والهدف منها هو عدم جعل المواطن التونسي ينتبه لهم, ومن ضمن وسائلهم في ذلك:‏

‏-‏ ‏2.1

الإيحاء باحترام الدين الإسلامي

: وذلك بإحياء المناسبات التي يزعم أنها دينية و التي لا تقدم في شيء, وهي ‏بعد ذلك ليست من الإسلام بل هي من الموروثات الصوفية المنحرفة, وإن كان رسخ في الذهن عكس ذلك بحكم ‏عوامل الإنحطاط التي شهدها المجتمع التونسي طيلة قرون عديدة وابتعاده خلالها عن التدين الصحيح, من ذلك ‏إحياء مناسبة المولد النبوي والتركيز على عادات الاستهلاك المرتبطة بها وتصوير ذلك انه من إحياء مشاعر ‏الدين, وإحياء حفلات ما يقال أنهم أولياء صالحون والإغداق عليها, وإقامة المهرجانات لها..‏

‏-‏ ‏2.2

الإيحاء باحترام الرموز التاريخية

: وذلك بإحياء حفلات تحمل أسماء لرموز تاريخية, وهو مما لا يقدم في ‏شيء, ويعمل فقط على ترسيخ مبدأ التناول الشكلي للرموز التاريخية, وتأكيد فكرة أن هؤلاء الرموز لا يفيدون ‏أبدا, أكثر من جعلهم مادة للاحتفال الدوري بذكراهم.‏
‏-‏ ‏2.3

الإيحاء باحترام المناسبات الوطنية والقومية

: حيث يعمل هؤلاء أن يكونوا من ضمن الأوائل في تنظيم ‏التظاهرات التي تنظم لامتصاص الغضب, أو لإنتاج أعمال فنية لإبعاد الشبهات عن أنفسهم حينما يتنامى أحيانا ‏وعي المواطن التونسي بتوجهاتهم المعادية للهوية العربية الإسلامية. فيقومون بين الفترة والأخرى بإنتاج ‏مسرحيات تتحدث عن فلسطين أو العراق, ينتهي تأثيرها داخل قاعة العرض, هذا على افتراض أن مثل هذه ‏الأعمال تحمل تأثيرا.‏

‏3.‏

الولاء للغرب

: بحكم أنهم لا يوافقون على مكونات الهوية العربية الإسلامية لتونس, فأفكار العلمانيين إذن نشأت ‏أصلا بحكم تأثرهم بأطراف غربية. على أن العلمانيين لا يكتفون بالارتباط الفكري فقط, بل منهم أطراف تعمل ‏على الالتصاق بالغرب لأهداف أخرى. ويمكن أن يتبع الولاء للغرب المستويات التالية:‏

‏-‏ ‏ 3.1

الولاء الفكري

: وهو يعني ان هؤلاء يسعون لبث أفكارا تعادي الهوية العربية الإسلامية داخل تونس, ويكون ‏ذلك إما لغرض فكري بحت, كمن يتبنى تيارات تصنف على انها يسارية, أو لغرض سياسي كمن يعمل على ‏ترديد أطروحات ومطالب سياسية أجنبية ضد مصالح بلده تونس, أحسن من يمثل هؤلاء هم الحركات اليسارية ‏وامتداداتها بالميدان الفكري والصحفي والسياسي.‏

‏-‏ ‏ 3.2

القيام بمهمات

: وهم صنف أوغلوا في ارتباطاتهم بالغرب, فكان أن ارتضوا لأنفسهم القيام بمهمات تدعمها ‏أطراف غربية, وتتخذ هذه الأعمال ستار الأبحاث الأكاديمية أو الأعمال الفنية أو الأعمال الإنسانية. كمثل تلك ‏الأعمال التي تعنى بالبحث في الجذور الفينيقية / القرطاجنية لتونس, او إعداد الدراسات المطالبة بإلغاء نظام ‏المواريث الإسلامي في تونس, أو المنظمات التي تدعو للزناء تحت شعار محاربة السيدا (الدعوة لاستعمال ‏الواقيات الذكرية هو في آخر المطاف تشجيع على الزناء و إن كان دعوة لمقاومة السيدا), أو إنتاج الأفلام ذات ‏المحتوى المغرق في المناظر الجنسية والتي لا تمت بصلة لواقع مجتمعنا التونسي.‏
ومقابل أداء هذه المهمات, تتلقى هذه الشخصيات التونسية من الأطراف الغربية المحركة لها تمويلات مادية ‏وأحيانا أخرى دعما معنويا أو إعلاميا لأنشطتهم.‏

‏-‏ ‏ 3.3

الإرتباط الشخصي بالغرب

: وهؤلاء لم أرى لهم وجود بعد في تونس, ولكنهم موجودون ببعض بلدان ‏المشرق العربي, حيث يضع بعضهم مصيره الشخصي بيد أدوات غربية, فيقبل بالعمل كجاسوس ضد بلده او ‏يسخر وقته وعمره في سب وإنتاج ما يحقر بلده ودينه. أذكر أني استمعت لأحد الصحفيين المصريين ممن يحمل ‏الجنسية البريطانية, حيث قدمه المذيع على انه صحفي بريطاني من أصل مصري, فانتفض هذا الصحفي قائلا ‏لست مصريا, أنا بريطاني فقط.‏
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...