من الاخر هاوشنوا تحب فرنسا من تونس


تنظر فرنسا لتونس دائما على أنها مستعمرتها القديمة و أنها فضاء لنفوذها السياسي و الاقتصادي و حتى الثقافي، تحاول التدخل في البرامج التعليمية ، تمول الحركة الثقافية، تكون المكونين و المسؤولين. اليوم صار دورها أكبر من الذي كان عليه زمن بن علي لأنها تريد لمدرسة سياسية معينة أن تنجح في تونس و بالتالي تبقى تونس تحت جناحها و لا تخرج عن اطار نفوذها وقد ذهب بعض من التونسيين الفرنكفونيين على رؤيتها أنها الجنة على وجه الأرض وأن ترابها و معالمها مقدسة و أدباءها و فنانيها قد جمعوا كامل الحكمة و الإبداع و أن احتلالها لتونس كان تشريفا لأرضنا ولولا ذلك الاحتلال لكنا قبائل بدائية لا تعرف للحضارة معنى.


الثقافة الفرنسية توصف بالتنويرية من حيث دعوتها للحريات الأساسية و حقوق الإنسان و الديمقراطية، لكن التجربة الاستعمارية أولا ثم الحديث عن الهوية الفرنسية ثانيا، تثبت أن الثقافة الفرنسية هي ثقافة استئصاليه بمعنى أنها تحاول استئصال الثقافات الأخرى وإلغائها تماما والحلول محلها. و الحديث عن الاندماج الاجتماعي للمهاجرين هو في الحقيقة ليس إلا دعوة لتبني الثقافة الفرنسية و التخلي عن الجذور الحضارية الخاصة بهم.


لايخفى على العالم ان الثقافة الفرنسية ليست استئصاليه فقط بل و شمولية أيضا و الدليل على ذلك أنها تتدخل في أبسط الحريات الفردية كحرية اللباس فرنسا قادت و تقود حربا ضد الحجاب و البرقع و هو ما يمثل مسا من الحريات الفردية للأشخاص بالإضافة لاستهداف المرأة المسلمة بالذات لذلك كانت دائما منحازة لمن يمثلها و لمن يقول ما تريد أن تسمعه فرنسا و لا أدل على ذلك من استضافة المخرجة نادية الفاني في برامجها التلفزية لأنهم يرونها قد تحدت العقيدة الدينية للشعب التونسي و هذا يستحق التبجيل
كما أكرمت أيضا المخرج النوري بوزيد وتقليده بوسام الفارس من وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران لأنه أيضا تحدى العقيدة الدينية للشعب وساهم في حملة الاسلاموفوبيا التي ترعاها فرنسا بكل سخاء. والأمثلة كثيرة و لا تحصى في حين لا نجد أن فرنسا أكرمت كاتبا أو مسرحيا أو فنانا تونسيا عرف بالتزامه و دفاعه عن القضايا الحقيقية للمجتمع. و هذا المجال مفتوح لأي كان، تحدى دينك، تحدى القيم الاجتماعية، انفلت من أخلاقك و ستجد بسرعة من يرعاك و يمولك و يفتح لك أبواب الاعلام و الشهرة، انها ببساطة الثقافة التنويرية الفرنسية الراعية للثقافة في تونس

فيما يخص السياسة الفرنسية تجاه تونس بعد الثورة فان كلام "أليو ماري" أمام البرلمان الفرنسي زمن الثورة لم يكن يمثلها وحدها بل يعبر بوضوح عن السياسة الخارجية الفرنسية تجاه تونس. السياسيون الفرنسيين يرون أن شعب تونس شعب برابرة لا يستحق إلا القمع و فرنسا تقدم الدعم اللوجيستي لهذا القمع. في نظرهم الشعب التونسي شعب مسلم وهو ما يعني بالضرورة أنه أرض خصبة للتطرف ولذلك فإن دعم نظام بن علي الذي كان يفتك بمن يشتبه في تدينه هو من الأولويات في السياسة الخارجية الفرنسية حتى و ان كان هذا على حساب أبسط قواعد احترام حقوق الإنسان.اليوم و بعد الثورة أرادت فرنسا أن تحقق ما لم تحققه في زمن بن علي و أرادت أن تجعل من نقطة ضعفها المتمثلة في وقوفها مع بن علي ضد الشعب التونسي أن تجعل منها نقطة قوة من خلال التعبير عن إرادة التكفير عن الذنب. هذا التكفير عن الذنب لم يتمثل في اعتذار رسمي للشعب التونسي أو في إعطاء مساعدات سخية لنا بل كان في شكل تقديم خدمات استشارية و تكوين في عدد من القطاعات. هدية مسمومة لأنها تهدف إلى إعادة ربط مؤسساتنا و إداراتنا و إعلامنا بمدرسة أثبت الزمن أنها لا تلائمنا وأن الزمن قد تجاوزها مقارنة بالمدارس الاخرى.
قد لا يذكر مثقفوا تونس و نخبها من الفرنكفونيين ومدعي الحداثة والتقدمية الا كل ما هو جميل عن فرنسا لكن كثيرا من أبناء الشعب التونسي لن ينسوا نفاق السياسة الفرنسية تجاه تونس ما بعد الثورة ففي الوقت الذي تعبّر فيه فرنسا عن نيتها التكفير عن ذنبها و ذلك بمساعدة تونس و تمتدح ثورتها و تكرم فنانيها الذين يدورون في فلكها، تقوم بغلق حدودها مع ايطاليا لتجنب دخول شباب تونس إليها بالرغم من أن وضعيتهم القانونية تمت تسويتها في ايطاليا، بل و لتعلموا مدى عمق "حبها" لشباب تونس هددت بالانسحاب من معاهدة "شنقان" التي تتيح التنقل المفتوح بين عدد من الدول الأوروبية. وحتى الشبان الذين نجحوا في الدخول إلى فرنسا يتم القبض عليهم و تمزيق أوراق الإقامة الوقتية الخاصة بهم. و يرى الكثير من الشباب التونسي أن فرنسا لا تحب التونسيين و أن إرادة المساعدة لا تتعدى كونها مجرد رفع للإحراج و فرصة قد لا تعاد لمزيد التغلغل الثقافي و الاقتصادي في تونس
.
بلغة بسيطة لسان حال السياسيين الفرنسيين يقول: نريدكم أن تتحدثوا الفرنسية نريدكم أن تستهلكوا بضاعتنا و خدماتنا، نريدكم أن تتبنوا ثقافتنا في أخلاقكم و في علاقاتكم الاجتماعية لكن لا نريدكم بيننا، فنحن شمس و أنتم أحد أقمارنا. لكننا كتونسيين لنا الحق بل من واجبنا أن نُغلّب مصلحتنا الوطنية على كل اعتبار آخر، و بالتالي علينا أن ندرس بجدية مدى توافق مصالحنا العليا مع التبعية لفرنسا و كلفة ذلك علينا و على مستقبل أبنائنا اقتصاديا و اجتماعيا.




0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...