سلبية الأغلبية "المسلمة" في تونس


هناك صورة للكثير من التونسيين بل اني أقول لأغلبية التونسيين الذين اختاروا العزلة و السلبية و الانزواء عن صراع محتدم داخل مجتمعنا. صراع بين الخير و الشر بين الاخلاق و الانحلال بين الفضيلة و الرذيلة بين الايمان و الالحاد بين الحق و الباطل. المصيبة أن يكون الانسان مسلما و لا ينصر الحق و لا ينحاز للخير بل يأخذ مسافة من النقيضين و يقول بأنه محايد أو أنه معتدل أو أنه مستقل. هذا الصراع تديره أقلية معروفة بتطرفها و تشددها و شذوذها الفكري و الاجتماعي و حتى الاخلاقي و السلوكي في مقابل ذلك أغلبية صامتة متفرجة سلبية لا تكاد تحرك ساكنا وكأنها جثة هامدة و كأن القضية لا تعنيها و لا تعني مستقبل أبنائها.هاته الأغلبية المسلمة هي تتفرج و لا تحرك ساكنا اللهم بعض النقد الخافت هنا أو هناك. هل هذه هي ايجابية المسلم التونسي و قوة ارادته؟ ينتقد القنوات التونسية و يدمن مشاهدتها ينتقد العري و الانحلال الأخلاقي واللفظي و لا يراقب أبناءه و بناته.من منا حدثته نفسه بنصرة وطنه و مجتمعه من التيار المتفسخ الهدام من منا قام بعُشر ما قامت به جمعيات الاخلاق الحيوانية من نشاط؟

يجب أن يعي الشباب السلفي الصاعد في الأونة الأخيرة أن الإسلام دين ديناميكي فيه ما شاء الله من المرونة وأن الفتوى والإجتهاد قابلين للتتغير بتغير الزمن والمكان وخير دليل لذلك ما قام به الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" الذي صنف فيه مجموعة من الفتاوى لأهل العراق، وحين زار مصر وجد أن الواقع فيها مغاير تماماً لما يعيشه أهل العراق (إنطلاقاً من طبيعة العراقي النفسية إلى معاملاته الإجتماعية المختلفة عن أهل مصر)، فقام بتصنيف كتاب جديد بنفس الإسم لأهل مصر ولكن لا يلتقي مع كتاب أهل العراق إلا في عدة مسائل يمكن عدوها بأصابع اليد. وهنا نجد أن الشافعي كان من الأوائل الذين وضعوا الأسس لفقه الواقع والمرحلة والمكان والزمان وطبيعة البشر المتقلبة والمختلفة. فما يصلح بأهل أفغانستان "النموذج بنسبة لبعض الشباب السلفي" لا يصلح مثلاً بأهل تونس.. يجب أن تعي هذه الشريحة المتدينة أن هناك تقدير للممكن وهناك إيمان بالواجب.. نحن نرجو الله - عزَّ وجلَّ - ولكن ندرك ما في الواقع فنقوم بما نقدر فنصلح قدر الإمكان { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16]. وأنا أرى أنَّ هناك إمكانية كبيرة للإصلاح - بإذن الله تبارك وتعالى -، وإمكان تحقيق السعادة لأهل تونس من خلال الاقتراب ولو جزئياً من العمل بدين الله تبارك وتعالى. لابد أنْ تكونَ الأهدافُ السِّياسية ضمن الأهداف الشَّرعيَّةِ، ولابد حين نعمل عملًا معينًا أنْ تكونَ نِيَّتُنا لله - سبحانه وتعالى. "انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى"، هذه مرجعيتنا، فمن ذهب للإنتخابات بنية الإصلاح في الأرض والإقتراب من الهدف المنشود وهو تحكيم شرع الله في بلادنا تونس ولو بعد حين، فقد وقع أجره على الله.. كي يكونَ العملُ صحيحًا أهم ما نحتاجه في المرحلة الراهنة هو ترتيب الأولويات، فكيف نتحدث عن خلافة في مجتمع نصف شبابه لا يصلي والنصف المتبقي يصلي بالوراثة. وعليه يجب أن نطرح صدقاً على أنفسنا هذا السؤال: ما الأولى بالنسبة لي في هذا التوقيت، في هذا المجتمع، في هذه الظروف؟ يكفينا تحليق في الأوهام وضرب نماذج لا تستقيم مع واقعنا اليوم، فمثلاً حال مكة أثناء الخلافة الراشدة، تلك المدينة الصغيرة والتي لا يتعدى حجمها أن يكون بحجم حي سكني اليوم في تونس العاصمة وظروفها الإجتماعية والجغرافية، ليس هو حال مجتمع يعد أكثر من عشرة ملايين ساكن اليوم.. الحياة تتبدل والأليات تتبدل معها، وجب علينا اليوم إعتماد اليات جديدة تتماشى وضروف عصرنا ومرحلتنا لكن دون التخلي على الثوابت الإسلامية وكليات الشريعة..

ان أغلب من ماتوا قد توفوا و لم يكملوا قضاء حوائجهم و مصالحهم فمتى يقرر كل منا أن نخصص لوطننا و لمجتمعنا بعض الجهد حتى ترسخ معالم هويتنا في أذهاننا و أذهان أبنائنا، ننتقد كل يوم تصرفات الناس و تكالبهم و انتهازيتهم ننتقد كثرة انتشار المخدرات و الاجرام، ننتقد العنف اللفظي و المادي ننتقد الانحلال الأخلاقي و عودة المجتمع لعصور الغرائز الحيوانية. فماذا فعلنا لننشر أخلاق الاسلام و قيمه، و نجعل من ذلك منطلقا لبناء مجتمع متحضر و حديث كما يحلم به كل انسان.

فليسأل كل واحد منا ماذا قدمنا لديننا لقد ضحى الصحابة و ما بعدهم من المسلمين الصادقين بأموالهم و أنفسهم و أموالهم لننعم نحن اليوم بنعم لا تحصى لعل أهما نعمة الاسلام و التكلم بلغة القرآن.الكل يقول سوف يدافع غيري سوف يتبرع غيري سوف يبني غيري أو يقول "للكعبة رب يحميها". في حين أننا مطالبون و مسؤولون عن هذا الوطن و هذه الأرض و هذا المجتمع. لماذا لا يأخذ كل منا حسب جهده و ماله و تفرغه بزمام المبادرة و يقم بأنشطة من أجل دينه و دنياه لماذا زمام المبادرة دائما بيد دعاة التغريب و الانحلال الاخلاقي. متى سنعي خطورة تقاعسنا عن أداء واجبنا تجاه مجتمعنا. في السابق كانت تعلة بطش النظام و الخوف على لقمة العيش و اليوم ماهو المبرر للكسل والتخاذل. هل دور المسلم التونسي هو فقط أداء الصلاة و تربية أطفاله فقط. وحتى تربية الاطفال لن تكون حرا لأنه سيتلقى مناهج تشككه في هويته و ضوابطه الاخلاقية و الاجتماعية حينها لا ينفع السلبيين الندم لأنهم لم يأخذوا بزمام المبارة.

1 commentaires:

دائما كعادتك متميزة دكتورة ياسمين
سوف أقوم بنشر هذا المقال بعد إذنك طبعا

 

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...