وقفة بين نهضتين :نهضة 1970 ونهضة 2011


بعيدا عن الخوض في تداعيات الثورات التي اجتاحت العالم العربي سنة 2011 فقد كان لسقوط طاغية تونس وديكتاتورمصر و طاغوت ليبيا  اثر كبير في ظهور واجهات سياسية إسلامية لم يكن لها أن ترى النور في ظلِ الأنظمة السابقة ذاقت كل اصناف الظلم والقمع والاستبداد من قبل هاته الانظمة القمعية فكانت لسنين الواجهة الرسمية للمعارضة لهاته الانظمة كالجماعات السلفية والإخوان المسلمين في مصروحزب النهضة في تونس و الإسلاميين في ليبيا ولا شك أن هذا مما يفرح المسلمين الصادقين ويبهجهم ويغيظ الله به قلوب الكافرين والمنافقين والعلمانيين وفيه خيركبير للإسلام والمسلمين.


والمتأمل لأوضاع المسلمين في فترة ما قبل سقوط هذه الأنظمة وما آلت إليه الأوضاع الآن –رغم ما تحيطها من مخاوف –لا يسعه إلا أن يتفاءل بأن أوضاع المسلمين في هذه البلدان ستكون إلى الأفضل -والله أعلم- وليست الخشية الآن من صعود نظام كسابقه فهذا زمن قد ولى والشعوب لن تقبل به وسترفضه .ففي العقود الماضية وتحت حكم الاستعباد والظلم والكفر كان المسلمون -وعلى رأسهم العلماء والدعاة والسياسيون الاسلاميون - يدعون الناس إلى عقيدة صافية ومنهج واضح ويأملون ويؤملون الشعوب بحكم إسلامي نظيف منبعه الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة تحكمه النصوص ولا يهمل العقل ولا يغفل الواقع وأعداء الإسلام من ابناء جلدتنا يعرفون جيدا أنه لو حصل هذا فقد قامت قيامتهم وقربت نهايتهم إسلام: شعاره الحاكمية لله ودثاره الولاء والبراء وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله إلا أنَّ الأمر الآن بخلاف ذلك إذ أصبحت الرايات ترفع للعدل والحرية والمساواة والتنمية وليس غريبا ان الحزب الفائز والذي سيحكم تونس قريبا حزب النهضة شعاره والمكتوب تحت عنوانه: حرية -عدالة- تنمية بعد ان تاسست تحت اسم الجماعة الاسلامية اواخر الستينات وعرفت بحركة الاتجاه الاسلامي في 1981 لتستقر على اسم حركة النهضة في 1989 للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع إقامة أحزاب على أساس ديني لكن ورغم ذلك جوبه طلبها بالترخيص لها بالرفض من قبل نظام بن علي ولم يتم الإعتراف به كحزب سياسي في تونس إلا في 1 مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي (2011) المؤقتة بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد على إثر إندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010.
البدايات وظروف النشأة:
أسست حركة النهضة في مواجهة النزعة الاستبدادية للسلطة وتعديها على ثوابت البلاد ومؤسساتها الرمزية خاصة إغلاق جامع الزيتونة ما ولد مرارة لدى الجيل الأول للاستقلال وأدى إلى موجة من الاحتجاجات في نهاية الستينات وكانت الحركة إلى جانب آخرين أحد تعبيراتها فنادت باحترام الهوية العربية والإسلامية لتونس وبرفع وصاية حكم الفرد والحزب الواحد.
فلقد أقدم الرئيسان المطاح بهما على إعلان عدائهما الشديد للإسلام ومن ثم قاما بعدة ممارسات ساهمت فيما بعد في توطين التغريب والعلمانية في الساحة التونسية ففي سنة1957 أعلنت قوانين الأحوال الشخصية التي تقطع علاقتها بالشريعة الإسلامية في مجال الأسرة وفي سنة 1958 ألغيت الأوقاف العامة وفي سنة1959 منع التعليم الديني ثم شن بورقيبة بعدها بعام حربا ضد الصيام وفي 1962 ألغي التقويم الهجري كما قام بفتح أول وكر للبغاء مرخص له سنة 1965 وفي سنة 1968 بدأت تعرية المرأة المسلمة من لباسها الإسلامي وحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في البلاد باصدار منشور يمنع ارتداءه وفي سنة 1969 بدأت حملة لغلق المساجد كما قام بورقيبة بإلقاء محاضرات ضد القيم الإسلامية وتهجم على القرآن الكريم والسنة النبوية والآداب الشرعية والعادات الإسلامية ولقد تابع بن علي سابقه وزاد عليه عدد من الممارسات زادت من سيطرت العلمانية وتفشي روح التغريب بين عموم التونسيين.و بعد سقوط حكم بن علي أكد الغنوشي أنه مع الديمقراطية ولايدعو لتطبيق الشريعة ولايدعو لدولة اسلامية وضد الخلافة .الإسلامية و ان حركة النهضة لا تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في تونس وإنما هدفها التخلص من "نظام الحزب الواحد مهما كان"مشددا على أن "كل ما تحتاجه تونس اليوم هو الحرية"وأردف قائلا: "إننا لا نريد نظام الحزب الواحد مهما كان، ولا فرض الشريعة إن ما تحتاجه تونس اليوم هو الحرية وديمقراطية حقيقية".وان فكرة الخلافة الاسلامية هي فقط طموح وامل لاتستطيع البرامج السياسية للحركات الاسلامية طرح فكرتها الان

هاته التغييرات المتتالية في تاريخ الحركة من تسميات وشعارات ومبادئ اساسية  تفرض علينا ان نقف وقفة تدارك مع الاحداث خشية ضياع المفاهيم ونسيانها مع وصول هؤلاء للحكم أما مسألة فرح المسلم بفوز حزبٍ إسلاميٍ سني ولو خالطه بعض الانحرافات والتغيرات على نظام لا يعترف بشريعة الله فهذا أمر لا نزايد عليه وهو من الولاء والبراء الذي أمرنا الله به وقد حكم عقودا من الزمن خلفاء مسلمون لهم على المسلمين طاعة وهم أهل بدع وأهواء فلا شك أن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا على الحكم العلماني العسكري السابق مما يفرح المؤمن الصادق -رغم توجهاته الليبرالية- ولا شك كذلك أن فوز (حركة النهضة) في تونس على اليساريين والعلمانيين كذلك لكن هذا لا يمنعنا من الحديث عن حركة النهضة وزعيمها ووضعهما في ميزان النقد الشرعي حفاظا على المبادئ والمفاهيم الإسلامية الأصيلة التي يدعونا ديننا بالتمسك بها. فحزب النهضة وإن كان يدعو إلى الإسلام السياسي وله جهود في ذلك يشكر عليها إلا أنه حزب عقلاني يشوبه ما يشوب دعاة لبرلة الإسلام وأسلمة الليبرالية فهي حركة (ليبرو إسلامية) متأثرة بالطرح العلماني وهي إحدى شبكات ما يسمى بالإسلام المعتدل الذي أوصى تقرير راند بدعم أمثاله وهذا الحكم ليس نابعا من تصريحات حديثة يمكن أن تفسر على أنها تصريحات مرحلية للفوز في الانتخابات بل هو مبني على مبادئ من صميم منهج الحزب وما صرَّح به رئيسه الأستاذ راشد الغنوشي وماصرحت به قادة وكوادر الحزب في عديد الندوات والمؤتمرات والحوارات الاعلامية والاجتماعات واللقاءات الشعبية اثناء الحملة الانتخابية .انا لاانكر ولااحد يجرؤ ان ينكرالتاريخ النظالي الطويل للحزب المليء بالمعاناة والنضال والسجن والاعتقال والاضطهاد والصبر والمصابرة لكوادره واعضائه مما نسأل الله عز وجل أن يأجرهم عليه. لكن مايهمني الان هو تسليط الضوء على منهج حركة النهضة التي وصلت إلى الحكم في تونس بعد سنين من الاضطهاد نهضة 2011 هل هي الحركة التي يرجو المسلم التونسي الموحد من فوزها أن تطبق شرع الله وترفع ظلم العباد لأنفسهم ولغيرهم، وهل هذا التمكين هو التمكين المرجو في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}؟ وهل ينطبق على الحركة قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ 
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}؟

حركة النهضة هي الحركة التي اختلف فيها الدعاة ومشايخ اليوم بين مؤيد ومعارض وخرجت فيها الفتاوى بين مؤيد وداعم لانتخابها وبين رافض ومعارض لبرنامجها لكن لايمكن لاحد ان ينكر ان حركة النهضة هو الحزب الوحيد من بين مئات الاحزاب التي تاسست بعد الثورة وحتى قبل الثورة الذي رفع راية الإسلام بتونس وتحدى علمانية بورقيبة ويسارية بن علي وهو الحزب الوحيد المؤهل الآن لحكم تونس التي قضت عقودا في العلمنة والإلحاد لكن حسنُ النية وسلامةُ المقصد لا يعني بالضرورة صواب العمل والمنهج و هذا لا يمنعنا أن ننقده ونبين جوانب التغييرات فيه وتاثير التحولات عليه اذ من المهم ان نذكر ان الحركة تقلبت خلال هذه السنين وانتقلت من حال إلى حال منذ تاسيسها اواخر السبعينات الى الان وسياسة التغير والمراحل واضحة جدا في منهجها حيث كان للإخوان المسلمين أثر عليها في بداية النشأة ثم انتقلت الحركة إلى التوجه العقلاني وأصبحت تعتبر جماعة الإخوان المسلمين حليف ولكنها ليست مرجعية بالرغم ان رئيس الحركة ومؤسسها الشيخ راشد الغنوشيشغل منصب عضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين وهذه بعض قارن فيه بين منهج الحركة وتوجهاتها في السبعينات ومنهجها في 
الثمانينات استلَه من بيانات الحركة وتصريحات زعيمها نشره مركز دراسات الوحدة العربية ومما جاء فيه:
1- الموقف من تطبيق الشريعة
في السبعينات: - تنفيذ أحكام الله وإقامة الحدود في المرحلة الثانية من الدعوة: مرحلة قيام المجتمع المسلم، التي تلي مرحلة الدعوة والبناء.
في الثمانينات: - تأجيل المسألة إلى أن يتم إعداد الرأي العام. تعطيل الحدود حتى تزول أسباب الجريمة وتتوفر شروط التطبيق.
2- الموقف من تعدد الزوجات
في السبعينات: - تعدد الزوجات مباح وجائز بصريح النص المحكم الذي لا شبهة فيه ولا يجوز للحاكم المسلم أن يمنعه مطلقاً.
في الثمانينات: - إن حركة الاتجاه ما كانت تهدف ولا هي تهدف الآن إلى مراجعة منع تعدد الزوجات. وهي لا تعتبر التعدد أصلاً من أصول الدين ولا تعتبر أن حل مشكلات الأسرة يتوقف على السماح بالتعدد.
3- الموقف من الاختلاط وتعليم المرأة وعملها
في السبعينات: -الاختلاط سبيل للفجور، وحق المرأة في التعليم محدود فيما يكفل قيامها بوظيفتها الطبيعية: شؤون المنزل ورعاية الأطفال، واشتغالها لا يجوز إلا عند شدة الحاجة، وشرط أن تكون المهنة شريفة، والمرأة دون عائل.
في الثمانينات: - اعتبار أن وجود المرأة في المؤسسة غدا أمراً واقعاً لابد من مواجهته بروح جريئة واعتبار الممانعة في تعليم البنت تصوراً بدائيًّا ليس له أساس من الدين.
4- الموقف من الديمقراطية
في السبعينات: - الإسلام يتضمن كل ما نحتاج إليه لإدارة المجتمع.
- كل محاولة لإدخال مفاهيم مثل الديمقراطية والاشتراكية هي تعبير عن شعور داخلي بالهزيمة.
- الحرية والديمقراطية والمساواة، ليست سوى أصنام حديثة أو وسائل تخدير واستعباد.
- رفض كل النظم البشرية، والقول بمفهوم الحاكمية.
في الثمانينات: -العلاقة مع الله تمر بالشعب ثم بالحاكم الملتزم بتطبيق البرنامج الذي اختاره الشعب.
- نحن لا نعارض قيام حركة سياسية، وإن اختلفت معنا اختلافاً جذرياً.
الحاكمية للشعب وحاكمية الله تمر عبر الشعب


هذا غيض من فيض يجعلك تكتشف كبر التغييرات والفجوة التي بين المنهج الذي اصبحت تتبعه حركة النهضة والمنهج الإسلامي الذي تاسست عليه في بداياتها لكن يجب التفرقة بين الفرح بفوز حزب إسلامي وبين جعله الفجر المنتظر والفرج القادم الذي سيعيد للأمة الإسلامية مجدها ورفعتها وما كان هدفي انتقاص الحركة او برنامجها بل بالعكس فهي أحوج ما تكون اليوم للمؤازرة والتثبيت على ما عندها من الحق والتوجيه والإرشاد إلى مواطن الخلل والضلال فالفرح بفوز حركة النهضة ونصرتها من مقتضيات الولاء للمسلم والتخوف من مستقبل ذلك له ما يبرره خشية أن يكون ضرر عرض الأحزاب الإسلامية للإسلام عرضا مشوها باسم الإسلام أكبر من ضرر الأحزاب العلمانية نفسها. الإسلامُ منهج حياة وهو صالح بكله في كل زمان ومكان والسياسة جزء منه والزعم بأنه لا يصلح في زماننا هذا زمان الديمقراطيات إلا ما يسمى بالإسلام السياسي فهو زعم باطل ووصول بعض من يتبنى ذلك اليوم للحكم ليس دليلاً على صحته فالفرق بين نظام الحركات الاسلامية ونظام السلطة العلمانية ان الحركة الإسلامية تجعل الدين حاكما أعلى عليها وتتحرك بمقتضى القيم الدينية وترفع الدين كمرجعية عليا وهذا ليس استخداما للدين فاستخدام الدين يتحقق عندما يكون الدين أداة من أدوات العمل السياسي ولكن عندما يكون الدين هو المرجعية العليا للعمل السياسي تصبح السياسة في خدمة الدين بدلا من أن يكون الدين في خدمة السياسة وهذا هو الفرق بين منطلق الحركة الإسلامية ومنطلق السلطة الحاكمة العلمانية التي حاولت لسنين السيطرة على المجال الديني حتى لا يسحب شرعية الحكم فالسلطة الحاكمة تجعل الدين في خدمة السياسة العلمانية والحركة الإسلامية تجعل السياسة في خدمة الدين فتصبح سياسة اسلامية...حسن النية وسلامةُ المقصد لا يعني بالضرورة صواب العمل والمنهج وكوادرحركة النهضة نحسبهم صادقين -والله حسيبهم- وقد قدموا تضحياتٍ كبيرة نسال الله ان يجزيهم اجر ماصبروا عليه لكن جملة التغييرات والتحويرات التي مرت بها الحركة تجعلنا نقف امام تساؤلين هل ستجعل الحركة من الدين الاسلامي اداة من ادوات العمل السياسي لنرى مايعرف بالاسلام السياسي ام انها ستجعل من السياسة اداة من ادوات المسخرة لخدمة الدين الاسلامي وتعاليمه فتكون السياسة في خدمة الدين اوماتعرف بالسياسة الاسلامية ؟

2 commentaires:

لازمنا نعرفو إللي في أي حركة ثما مراجعات ومش أي واحد بدّل وغير رأيه يعتبر "تخلى" على مبادئه أو "تنصل" منها أو كيما سماها أحدهم "تدرجات راشد الغنوشي" وألف تحت هذا العنوان كتاب وانتقد فيه الحركة وكأنها مطالبة أنها تقعد تحت فكرة معينة وحدة وما تراجعهاش .. كان عندو نقاط طرحهم كيما في المقال هذا .. ثما فرق كبير بين التصوّر الشعبي العادي إللي كان عند الحركة في بدايتها وبين تصورها بعد تصادمها مع الواقع وهذا إللي يعيشو الحزب السلفي المصري حزب النور اليوم .. وأغلب الأمور هاذي طرحها الشيخ راشد الغنوشي في كتابو الحريات العامة في الدولة الإسلامية بتفصيل طويل وناقش فيها الأمور هاذي الكل .. يبقى ثما بعض التصريحات للبناني مثلا والا غيرو غير موفقة بالمرة ويرفضوها حتى القيايديين الاخرين أنفسهم وما لازمناش ناخذوها الأساس .. ثما ارتباك كبير عندهم في برشا تصريحات يمكن هذا نابع من الخوف من مراقبتهم في كل صغيرة وكبيرة.

 

لماذا لا ننظر الىالامور من زاوية اخرى لماذا لا نقول ان حركة النهضة ارادت ان تطور من نفسها و تواكب تغيرات والتطورات التي تعيشها الساحة التونسية ان كانت السياسية و الاجتماعية ومدى وعي الشعب و تقبله للمتغيرات العالمية ..صحيح هناك بعض التصريحات لكوادر النهضة لم تكن متوقعة وكانت مفاجئة لبعض انصار الحركة لكنها لا تتعدى ان تكون اراء خاصة ووجهات نظر شخصية لا تمثل برامج الحركة ولا تمثل حتى راي الاغلبية

 

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...