المتطرفون العلمانييون بتونس يتحركون ضد حكم شرعي إسلامي


كانت حادثة بسيطة تتعلق بفتوى أصدرها مفتي تونس، مناسبة لتتحرك الآلة الإعلامية اليسارية ذات النفوذ الكبير بتونس، ولتعلن النفير بين أذرعها المتنوعة مابين صحفيين يعملون بمختلف وسائل الاعلام، ومنظمات مدنية وأحزاب، كلهم تنادوا للنذير ضد ما يرونه تمشيا غير مقبول يعارض مبادئ العلمانية بتونس، حيث اعتبروا تلك الفتوى شيئا لا يجب قبوله بتونس، وقال بعضهم ان مثل هذا الكلام يمكن ان يقال ببلد مسلم آخر، اما تونس البلد العلماني كما يقول، فإن الأمر مختلف، حيث نشر احدهم بموقع "مغاربية" التابع للقيادة الأمريكية: "لم يكن القرار ليشكل أي جدل في بلد مسلم آخر، حيث تطبق الشريعة في قضايا الزواج والطلاق، أما في بلد علماني كتونس، الأشياء تختلف شيئا ما." (ملاحظة: يعمل موقع "مغاربية" الأمريكي على تسويق اليساريين التونسيين والتعريف برموزهم وأنشطتهم من خلال التتبع الدوري لأخبارهم)


وتتعلق الحادثة بتساؤل قدمته امرأة تونسية للمفتي قالت فيه إن زوجها، أعلن أمامها يمين الطلاق ثلاث مرات، فأجاز المفتي هذا الطلاق، ولكن المشكلة المطروحة بتونس، ان مثل هذا الطلاق النافذ شرعا، لا يعتبر نافذا قانونا، حيث لا يعمل بالشريعة الإسلامية في العديد من تفاصيل القوانين التونسية ومنها بعض مكونات قانون الأحوال الشخصية، وكعينة عن ذلك، فان مثل هذا الطلاق لا معنى له مادام لم يمضه القاضي، حيث لا يملك الرجل في القوانين التونسية حق إعلان الطلاق، وهي نقطة أخرى تخالف فيها القوانين التونسية الشريعة الإسلامية.

وكما هو واضح فان عملية الإفتاء في حد ذاتها لا جديد فيها، ومثلها يقع بكل البلدان الإسلامية من دون ضجيج، ولكن الأمر بتونس مختلف، وذلك لان العلمانيين ببلادنا صيروا تونس حالة شاذة في محيطها الإسلامي، وذلك من خلال ما يمتلكون من أدوات النفوذ والقوة لتمرير مشاريعهم بشكل لا يوجد بأي بلد إسلامي آخر، إلا ما قد يماثله ربما بتركيا، حيث بنى العلمانيون قاعدة صلبة بتونس منذ نصف قرن، وتمكنوا من إيجاد مواقع نفوذ لهم بكل أوجه الدولة التونسية الحديثة، واستطاعوا تمرير انحرافاتهم الفكرية وزندقتهم، من خلال مشاريع وقع إمضائها وإخضاع التونسيين قهرا لها، استهدفت ضرب الأسرة والمرأة وتفكيك المجتمع.

واستطاع العلمانيون التونسيون وخاصة متطرفو اليسار الوصول لأهدافهم من خلال إظهارهم براعة كبيرة في استغلال بعض الأحداث التاريخية التي مرت بتونس، ولما جبلوا عليه من سلوكيات تراوحت مابين الابتزاز والتذلل والانتهاز، كما عملوا على توزيع الأدوار في مابينهم، و استهدفوا المراكز ذات الأهمية، حيث يتواجد العلمانيون ومتطرفوهم خاصة بكثرة بوسائل الإعلام العمومية والخاصة، كما تمكنوا من التسرب والسيطرة على مناصب المسؤولية ببعض الجامعات التونسية حتى طالوا جامعة الزيتونة فأحالوها مهزلة ومرتعا لأنشطتهم، كما يتواجدون بسلك التعليم، ويكفي ان نذكر بأن الهالك محمد الشرفي صاحب مشروع إعادة صياغة برامج التعليم يعد من رؤوس متطرفي اليسار بتونس (تمثل عمليات "إصلاح" التعليم التي قام بها محمد الشرفي وأخضع لها الأجيال التونسية منذ حوالي عقدين، نموذجا متميزا في طرق التدمير المنهجي للنشئ وإلحاقهم بالغرب، حيث قامت عمليات الاصلاح الهيكلي للنظام التعليمي التونسي تلك على طمس البعد العربي الإسلامي لدى الأطفال، علما أن هذه البرامج لازالت نافذة للآن بتونس ويقع تدريسها رغم النتائج الكارثية التي انتجتها).

وإذا نظرنا للاحتجاجات التي ميزت الأطراف العلمانية ضد صدور فتوى شرعية بسيطة، فانه يمكن أن نسجل العديد من الملاحظات:
- انطلقت احتجاجات متطرفي العلمانيين (أو من يمكن أن نطلق عليهم منافقين حسب التعبير الإسلامي، وهو تعبير أبلغ)على الفتوى، من خلفية رفضهم إدخال النص الشرعي الإسلامي كقاعدة للبت في الأمور المدنية، والاستعاضة عنها بالقوانين المدنية التونسية المستمدة جزئيا من القوانين الفرنسية.
- لم يكتفي العلمانيون التونسيون بما عليه القوانين المدنية التونسية من مخالفة للشريعة في بعض جوانبها، ولكنهم يطالبون بالمزيد، حيث تعمل منظمة نسوية يسارية تدعى "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" على المناداة بالتخلي عن قوانين المواريث الإسلامية المعمول بها تونسيا.
- يتصرف العلمانيون التونسيون حين مطالباتهم هذه، من خلال الافتراض الضمني أنهم أصحاب حق، لكأن مخالفة الإسلام لا مشكلة فيها، كما إنهم ينطلقون من خلفية رفضهم الاحتكام للإسلام كمرجعية، والعمل مع ذلك كله على تعميم تصورهم هذا لكي يصبح نافذا على كل التونسيين من خلال تشريعات.
- يفترض العلمانيون ان تونس ليست بلدا مسلما كغيرها من الدول، فهم يرون ان تونس بلدا علمانيا، وبالتالي لا يجب عليها ما يجب على البلدان المسلمة.

وإذا كان يحق للعلمانيين أن يفترضوا ويطالبوا، وهم من هم في البعد عن الأصول المرجعية لهذه البلاد، وهم من هم في إجرامهم ومسؤولياتهم الكارثية في ما جنوه على بلادنا من تفكك اجتماعي وسوء الصيت دوليا، فمن حق التونسي أيضا أن يطالب بالأخذ على أيدي هؤلاء الشراذم العلمانيين:

- يتحرك العلمانيون للعمل على استبعاد تحكيم الإسلام في شؤون التونسيين، إلا انه إذا كان من وجوب استبعاد توجه عقدي أو فكري ما، فانه سيكون أكثر مصداقية وأقرب للجدوى، أن يقع استبعاد ذاك التوجه الدخيل والغريب على التونسيين، وهل هناك أغرب على التونسيين المسلمين أصحاب الحضارة والريادة والأيادي البيضاء على الإسلام وورثة العلماء، من ان يقع اجتثاثهم من دينهم وإحالتهم لمجتمع مفكك يعم فيه الفسق ويدعى فيه للمنكرات ويعلى من شان القائمين عليها، وعليه فانه يكون أولى أن يقع استبعاد والعمل على اقتلاع المشروع العلماني من تونس.
- إذا كان العلمانيون التونسيون قد سعوا لتهميش دور المفتي ومن خلاله كل من يقول بالإسلام الحق، واعتبارا للنقطة السابقة، فانه يكون أولى أن يقع تهميش القائلين بما يخالف الإسلام، وعليه فان المطلوب هو العمل على تسفيه العلمانين ومن يقول بقولهم، كما عملوا هم على تهميش القائل بالطرح الإسلامي.
- إذا افترضنا أن عملية الإفتاء التي قام بها المفتي تؤشر على تواجد مؤسسة إسلامية مستقلة بتونس، فانه ينتظر من هذه المؤسسة لكي ترسخ مصداقيتها أن تقول قولها في من يعمل على استبعاد الإسلام ومحاربته، وهم العلمانيون التونسيون (المنافقون بالتعبير الإسلامي)، كما إن المفتي يجب عليه أن يعطي حكم الإسلام في أمثال هؤلاء كما أعطى حكمه في مسألة الطلاق المشار إليها.
- إذا كان لا بد لطرف بتونس أن يتحرك ويطالب، فلا يجب أن يكون الأمر ولا شك مطالبة بمزيد من استبعاد الإسلام من شؤون الحياة كما يريد غلاة العلمانية بتونس، بل يجب أن يكون تحركا ومطالبة بمزيد تنزيل الإسلام في شؤون الحياة، وبمزيد من صبغ شؤون المجتمع بالإسلام، وبمزيد من ضرب أسباب تفكك المجتمع كإشاعة الفاحشة والدعوة لها وهي المهام التي يتولاها بجدارة العلمانيون بتونس.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...