السلفية العوراء:سلفية علماء السلاطين وعبيدالحكام

"الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتدارا وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذارا منه وإنذارا، فأتم بهم على من أتبع سبيلهم نعمته السابغة وقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة، فنصب الدليل وأنار السبيل وأزاح العلل وقطع المعاذير وأقام الحجة، وأوضح المحجة وقال هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل … " انتهى ابن القيم إعلام الموقعين 


أما بعد: فنحمده جلّ ثناؤه وعظمت كبرياؤه أن جعلنا من المؤمنين، وعلى نهج سيد المرسلين داعين، ولصحابته وأهل بيته من المحبين والمناصرين. من سلك طريقهم اهتدى وفاز بصحبتهم، ونال الدرجات العلا عند من اطلع على قلوبهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. 
فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إن الله اطلع في قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خير قلوب العباد فاختاره لرسالته ثم اطلع في قلوب العباد بعده فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته.
فمن سلك طريقهم فقد تمسك بالسلفية النقية البيضاء، ما زاغ عنها إلا هالك، ولا تتبعها بعين واحدة إلا هالك، يأخذها من طرف ويدعها من أطراف، ومن حاول التملق والتسلق بها أخزاه الله وبان عوره، وفضحه أمام الخلائق.
لقد انقشعت السلفية اليوم عن أقوام ادعوها وهم بها من المتاجرين، وعن نهجها من المبعدين، زعموا أنهم كانوا لها من المناصرين، ولحياضها من الذابين، ولأسقفها رافعين، وعلى أعمدتها متكئين.
إذا جدّ عند الجدِّ أرضاك جِدُّه ….. وذو باطل إن شئت أرضاك باطله



لهم السنة حداد، يدعون أنهم يتكلمون من نفس خبيرة بصيرة، وتجربة بالحياة طويلة ومريرة، وأنهم أهل فطنة وحنكة، وأهل رأي وسداد، ظانين أنهم بذلك قد أقاموا على الناس الحجة، والزموهم بالمحجة. 
ذلك دأبهم ما تعاقبت الأيام وتوالت الأزمان، وما علموا أنهم ما زرعوا إلا الشوك، وما اثمروا إلا الحنظل، ففضحتهم حتى بدت سواد وجوههم كالحة غبراء ظلماء لا ترى من قريب حتى في الليلة القمراء فزادت من شقاوتهم وتعاستهم ومعرفة الناس بهم.
قال ابن القيم :" فمن علامات الشقاوة أنه كلما زيد في علم العبد زيد في كبره، وتيهه، وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في عمره زيد في حرصه وكلما زيد في ماله زيد في بخله، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه ". 


فادعى هؤلاء السلفية النقية البيضاء ؟؟!!!. تلك السلفية التي يدعون تقمصها، وهم يتزينون بثيابها، ويأكلون بثمنها، ولم يعملوا بها، وحاربوا أهلها، والتمسوا لأنفسهم المعاذير حَيْدة عن المنهج المستقيم، وأنهم معذورون ومتأولون في فعلتهم، وكل من خالفهم ظالمون مبتدعون مجروحون ؟؟!!!. 



أي سلفية تلك التي ينصر فيها الباطل، ولا يصدع فيها بالحق، وتسن فيها الألسن على غرباء الدين، ويمجد فيها لكع ابن لكع ومنهم الظالمون الفاسقون ؟؟!!!.
أي سلفية تلك التي كان الدين فيها مجرد وعظ يميت القلوب، لبعده عن الشعور والأحاسيس، وعدم نصرته للمظلومين، ودفاعه عن المستبدين، وعدم محاكاته حياة الذل والقهر التي يعانيها المقهورون ؟؟!!!.
أي سلفية تلك التي رضي دعاتها سكنى القصور، بدق أبواب السلاطين، مع طعنهم لأهل الثغور ؟؟!!!.



أي سلفية تلك التي ارتضوا منها لبس ثوب العافية وسلكوا مبدأ من رضي وتابع دون من أنكر وبرأ ؟؟!!!. أي سلفية تلك التي تكون مجرد تقصير ثوب، وإعفاء لحية، ولواء الولاء والبراء معقود على السمع والطاعة لغير كتاب الله.



إنها السلفية العوراء سلفية علماء السلاطين وعبيد الحكام
التي ظهر أصحابها في بعض الفضائيات، واستولى الواحد منهم على المذياع، وتربعوا قريبا عن أو في المحراب، وارتقوا على المنابر تشدقوا بالألفاظ وعبارات السجع، عافهم الناس بعد أن ثقلوهم بميزان الإسلام. 
نصروا الباطل وسكتوا عن قول الحق، قتلوا المثل العليا إرضاء للهوى وشهوة النفس، دفعوا ضريبة باهظة الثمن، فاتورتها مبادئ القرآن وتعاليم الإسلام، فكانت حسناتهم هي الثمن. 
قريبا كان من منهجهم التحذير من مجالسة أهل البدع، والنهي عن مخالطة أهل الفسوق والمعاصي والمجون، ومن فعل ذلك فقد ارتكب أمرا عظيما وخطرا على الدين جسيما، إلا أن يكون آمرا للمعروف ناه عن المنكر. وهذا حق لا ينكر على أحد فيه.



ثم ماذا كان ؟؟!!! 
خالطوا أهل البدع وجالسوهم، في ملهاة عابثة ساخرة، ظهروا أمام الخلق وهم يصافحوهم، ويضاحكوهم مع معرفة الناس أنهم ما ظهروا معهم لينكروا عليهم ضلالاتهم وبدعهم لسكوتهم عنها، وعدم الحديث عليها، وإلا لوجب عليهم بيان الإنكار حتى لا يغتر من جهل من شاهد بالأعمال وجعل هذا العمل وجها من الاستدلال.


صور الولاء والبراء التي لا تكاد أن تنقطع في المجالس والحلقات، أين هم عنها وعن تمسكهم بنهج السلف منها، وقولهم " لا تحك رأسك إلا بالآثار". 


أين هذا من منهج السلف ؟!! 



حدثوا الناس وقالوا لهم إياكم وأبواب السلطان _ إلا أن تقولوا لهم كلمة الحق_ فكانوا أول من طرق أبوابهم، وأكلوا من طعامهم، وسكتوا عن باطلهم، وباركوا أعمالهم. 
علمونا حديث سلمان وعن الجرأة في قول الحق وعدم السكوت على الباطل لما قال لعمر: لا سمعا ولا طاعة للناس ثوب ولك ثوبان. وهم يسكتون عن موائد الخمر، وبيوت العهر، يطأطئون الرؤوس، ويوالون، ويعاهدون، ويسمعون، ويعظمون.



فأين هذا من منهج السلف ؟!!.



قالوا منهج السلف على وجوب نصرة المسلمين وفك أسر المأسورين، والذود عن حرمات ومقدسات المسلمين.
ولما احتلت البلاد وذل العباد وانتهكت الأعراض ودنست المقدسات، قالوا قتالهم إرهاب وراية من يقاتلهم راية عمياء.



فأين هذا من منهج السلف ؟!!. 



قالوا إن منهج السلف لا مداهنة فيه ولا تزلف ولا تلميع. فلما دمرت تماثيل بوذا صار الأمر فيه إيضاح وتوضيح.



فهل هذا منهج السلف ؟!!.



قالوا منهج السلف على أن ازدواجية الفتوى للحكم الواحد ضلال عظيم، وتلاعب في أحكام الدين هذا ما درسوه للطلاب وعلموه، وهو حق ويقين.



بينما إن تعلق الأمر بقتال الروس جهاد واستشهاد، وإن كان القتال للأمريكان فهو خروج على أحكام الولاة.



فهل هذا منهج السلف ؟!!.



منهج السلف على أن أحكام التكفير لا تصح إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع على التعيين، لكن صدام مسلم قبل الحرب ولما كان ضد إيران،و كافر بعدها عندما اعلن حربه على الامريكان واسرائيل بدون إقامة الحجة أو توفر شروط أو حتى واجبات أو سنن ؟؟!!!.



فهل هذا منهج السلف ؟!!.



الاستعانة بالكفار ضد المسلمين، حرام باتفاق علماء السلف والخلف، إلا أن يكون الكفارمن الامريكان تحت إمرتهم ولهم القدرة والنفوذ عليهم، عند بعضهم. وراجع رسالتي بذلك.
ولكن في حرب طالبان والعراق ترى الفتاوى العجاب.



فأين هذا من منهج السلف ؟!!..



أما منهج السلف بالتحذير من أهل الإرجاء وأهل التكفير والخوارج حدث ولا حرج بينما يصبح في عصرنا أنهم من يرفع راية السلف ؟؟!!!.




لقد صدق على بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: (قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك).

إن فساد الدين أساسه فساد فئتين من الناس هم العلماء والحكام كما قال ابن المبارك رحمه الله:

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها


وفساد الحكام سببه فساد العلماء، وفساد العلماء سببه الإخلاد إلى الأرض وحب المال والجاه، يقول أبو حامد الغزالي واصفاً حال علماء عصره بعد أن ذكر من مواقف علماء السلف وتضحيتهم في سبيل الحق وعدم اكتراثهم ببأس السلاطين، (وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم، فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا فلم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر، والله المستعان على كل حال) [إحياء علوم الدين 
لا إلى سلمى ولا إلى أجا ……. ولكن إلى الله المشتكى.



أخيرا :



من أراد أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ويقتدي بصحابته، وأنه بسلفيته وأثريته متمسك بهديهم وعلى سنتهم ونهجهم ينبغي عليه أن ينظر إلى أقوالهم وأفعالهم بعينين مبصرتين فيعلم الحق لترى العين ويبصر القلب فلا يزيغ ولا يضل.
فإن نظر لمنهجهم بعين واحدة ليغمض الأخرى ويتأول لهم بأنها عوراء فلا يعمل إلا بما يراه عوره مختلطا على قلبه فيضل ويضل.
ولو كان أعمى فاقدا لكلتا عينيه لهان الأمر وسهل الخطب، لأنه يحتاج حينئذ لمن يرشده ويبصره، فلا يقع كل اللوم عليه.
ولكان قياس ذلك الأعور الدجال على الأضحية العوراء أصح وأدق عند من جاز من العلماء الأضحية بالعمياء دون العوراء، فالعوراء تعتمد على عورها فيتركها صاحبها لترعى نفسها بنفسها فيكون مرعاها قليلا وتأتي حينئذ هزيلة، لضعف نظرها فلا تصح الأضحية حينئذ بها. أما العمياء فيوكل بها صاحبها من يقوم برعايتها فتأت صحيحة سمينة.
وكما بدأت بالكلام القيم لابن القيم اختم به أيضا لأقول :



" فمن أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه، فالعارف همته توثيق الأساس وإحكامه والجاهل يرفع البناء عن غير أساس

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...