كيف نحرر الإعلام العربي من التبعية للسلطة؟



بناء نظرية جديدة للعلاقة بين الاعلام والسلطة.. كيف؟!|
تعتبر علاقة الإعلام بالسلطة في الوطن العربي من أهم العوامل التي أعاقت تطور الصناعة العربية للإعلام والاتصال، فالسلطات العربية حرصت على أن تفرض أسوأ أشكال العلاقة بين الإعلام والسلطة وأكثرها تخلفاً وهي علاقة التبعية، فاستخدمت كل الوسائل التي تجعل وسائل الإعلام تابعة لها.. فما تأثير هذه العلاقة؟!

ان التاريخ يعلمنا انه كلما زادت تبعية الصحافة ووسائل الإعلام للسلطات الحاكمة قلت ثقة الجماهير بها وتناقصت مصداقيتها.
لذلك فإن أهم وسائل تطوير الصناعة العربية للإعلام والاتصال هو التوصل إلى نظرية جديدة للعلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة بحيث تضمن لهذه الوسائل الاستقلال عن السلطة، والحرية في القيام بوظائفها لصالح المجتمع.
خرافة الخصومة
لكي نستطيع ان نتوصل إلى تصور جديد لهذه العلاقة لابد ان نحرر أنفسنا من أسر الكثير من الخرافات، ومن اهمها ان العلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة تقوم على الخصومة، وان علاقة الخصومة هي الشكل المناسب والمثالي لهذه العلاقة حيث سادت نظرية في الغرب تقوم على ان تقييد أية محاولة للتدخل الحكومي في شؤون وسائل الإعلام هو الضمان الحقيقي لحرية الصحافة.
اكتسب مصطلح الخصومة هذا وضعاً شرعياً في المجتمع الأمريكي حيث سادت رؤية تقوم على أن الصحافة لابد أن تفتقد الحكومة، وان تضمن حرية تدفق الأنباء للمجتمع، بينما تسعى الحكومة دائماً إلى التحكم في هذا التدفق، ولذلك فإن كلما كانت الصحافة معارضة للحكومة، وقادرة على أن تنتقدها بعنف، وتنقل للمجتمع الاخبار والمعلومات التي تحاول الحكومة ان تخفيها كان ذلك في صالح المجتمع لأنه يحقق الديمقراطية، ويمنع الحكومة من اساءة استخدام السلطة.
وعلاقة الخصومة تعني ان الصحافة يجب ان تعمل دائماً على الكشف عن أية انحرافات في ممارسة السلطات لأنشطتها، أو أية أعمال ترتكبها قد تكون في غير صالح المجتمع باعتبار ان الصحافة هي الرقيب على الحكومة وهي حارسة المصالح العامة.
وهناك علاقة صراع دائم بين الحكومة التي تحاول أن تمنع وصول الاخبار والمعلومات للجماهير، وتحول الصحافة إلى وكالة للترويج لقراراتها وتبريرها من ناحية والصحافة ووسائل الإعلام التي تقوم بوظيفة مهمة في المجتمع الديمقراطي هي تشكيل المواطن العارف الذي يستطيع ان يتخذ القرارات الصحيحة في الانتخابات، ويشارك بشكل فعال في إدارة العملية الديمقراطية، لذلك فإنه كلما زاد العداء والخصومة بين الصحافة والحكومة زادت امكانيات حصول المجتمع على المعلومات، وقامت الصحافة بواجبها في كشف الانحرافات والفساد.
من مخلفات الماضي
هذا الشكل من العلاقة بالرغم من أنه الشكل المثالي إلا انه يعتبر من مخلفات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حتى خلال هذين القرنين كانت هناك الكثير من القضايا التي عالجتها الصحافة في بريطانيا وفرنسا لصالح الحكومة مثل قضية السيطرة على الشعوب الاخرى، وقد أخفت الصحافة البريطانية والفرنسية الكثير من المعلومات عن المذابح التي ارتكبتها هذه الدول ضد الشعوب المستعمرة.
لقد كانت الصحافة تعرف الكثير من المعلومات عن تلك المذابح والمآسي لكنها لم تقم بنشرها، وفي بعض الأحيان قامت بتبريرها، والترويج للأفكار الاستعمارية وقامت بدور لا يختلف عن الدور الذي قام الجنود البريطانيون والفرنسيون الذين كانوا يذبحون الأبرياء في الجزائر ومصر والسودان والهند وافريقيا وآسيا، وعلى ذلك فإن علاقة الخصومة بين الصحافة والحكومة هي مجرد خرافة، ويمكن القول انها قد ظهرت بشكل محدود فيما يختص بالشؤون الداخلية في أوروبا وأمريكا خلال القرن التاسع عشر.
علاقة قوية بين الإعلام والسلطات
أما في القرن العشرين فإن علاقة الخصومة هي مجرد قصة اسطورية غير موجودة في الواقع المعاصر، فوسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية أصبحت تحتكرها مجموعة قليلة من الشركات متعددة الجنسية التي ترتبط بعلاقات قوية، وتبادل للمصالح والمنافع مع الحكومات، وهذه الشركات بالاشتراك مع الحكومة الأمريكية ووكالات الأنباء تحدد أجندة وسائل الإعلام في العالم كله، وتتحكم في تدفق الأنباء والمعلومات التي تصل إلى الجماهير.
لذلك يرى بين باجد كيان وهو واحد من أهم علماء الإعلام الأمريكيين ان أمريكا تتحول إلى دولة ديكتاتورية شمولية تسيطر فيها هذه الشركات على الجمهور الامريكي وتعمل هذه الشركات كوزارة إعلام لأمريكا وللرأسمالية العالمية، وان عملها لا يختلف عن عمل وزارات الإعلام في الدول الديكتاتورية الشمولية.
وتوضح الكثير من الدراسات أن هذه الشركات متعددة الجنسيات لها أجندتها السياسية، والتي تتطابق مع الأجندة السياسية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
كما توضح حرب الخليج الثانية أن وسائل الإعلام الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص لم تكن مستقلة، وان العلاقة بين السلطات في الغرب ووسائل الإعلام قوية جداً.
لقد أخفت وسائل الإعلام الأمريكية الكثير من المعلومات عن الأحداث في العراق، واستسلمت لتحكم السلطة الامريكية في المعلومات، ولم تحاول أن تدافع عن حقها في تغطية الاحداث ونشر المعلومات، ولم تقم بالدور الذي قامت به في حرب فيتنام، وذلك نتيجة سيطرة الشركات الامريكية عابرة القارات على وسائل الاعلام، فقد تطابقت مصالح هذه الشركات مع مصالح الحكومة الامريكية.
وعلى ذلك فان التمسك بذلك الشكل للعلاقة بين الصحافة والسلطة باعتباره الشكل المثالى الذي يطمح الصحفيون للوصول اليه يمكن ان يؤدى الى اعاقة البحث عن اشكال جديدة للعلاقة اكثر توازناً، واتفاقاً مع معطيات العصر، ويمكن ان تزيد قدرتنا على تطوير صناعة الاعلام والاتصال في الوطن العربي.
علاقة التبعية
اذا كانت علاقة الخصومة بين الصحافة والسلطة خرافة تتناقض مع الواقع، فان علاقة التبعية هى علاقة خطيرة كان لها الكثير من النتائج السلبية على تطوير الصحافة العربية، ومن اهم تلك النتائج:
أولاً: تدهور مصداقية وسائل الاعلام العربية، حيث نظرت لها الجماهير العربية باعتبارها اداة السلطة في التبرير، والحديث بشكل مستمر عن انجازات لا وجود لها.
ان حديث الاعلام  العربي والصحافة العربية المستمر عن اعمال الحكومة والدفاع عن قراراتها بشكل يتناقض مع الواقع الذي تعيشه الجماهير بنفسها قد جعل الجماهير تتعامل مع وسائل الاعلام باعتبارها وسائل لترويج الكذب الحكومي. لذلك ظهرت بعض التعبيرات التي تشير الى اعتقاد الجمهور بأن الصحافة تكذب، ولعل من اشهر هذه التعبيرات «كلام جرايد» اي انه بالضرورة غير صحيح.
في بعض الحالات كانت السلطة تحقق انجازاً حقيقياً، وكانت تحتاج الى مصداقية الصحافة ووسائل الاعلام، كما حدث في بداية حرب اكتوبر 1973، حيث حقق الجيش المصري انجازاً حقيقياً، ولم تكن السلطة في حاجة للدعاية او الكذب.. كانت تحتاج الى وسائل اعلامية يثق فيها الجمهور تنقل هذا الانجاز، وتصور الانتصار بشكل واقعي وحقيقي. ولقد كانت المشكلة ان تجربة الشعب المصري مع صحافته ووسائل اعلامه لا تشجعه على ان يصدق.. وربما يكون قد تعامل مع الحدث بشكل عاطفى وطنى، لكنه كان يحتاج في تلك اللحظة كما تحتاج الحكومة الى مصداقية وسائل الاعلام.
المساندة الشعبية
ثانياً: أدت تبعية الصحافة للسلطة الى تناقض المساندة الشعبية لحرية الصحافة في مواجهة الحكومات، فازدادت قوة الحكومات في الوقت الذى تناقصت فيه قوة المجتمع المدنى، كما ادى ذلك الى ضعف المشاركة الجماهيرية في الانتخابات.
ان تناقض مصداقية الصحافة، وعدم ثقة الجمهور فيها شوه صورة الصحافة حيث نظر لها الجمهور كوسيلة حكومية للدعاية ولذلك فلكى يحصل الصحفيون على المساندة الشعبية لحريتهم، وعلى ثقة الجماهير فيما يقدمونه من مضمون يجب ان يكافحوا للتحرر من التبعية للسلطة، ويعملوا لبناء علاقة جديدة مع السلطة والجمهور، بحيث يجبروا السلطة على احترام وظيفتهم كممثلين للجمهور يقومون نيابة عنه بالبحث عن المعلومات لتحقيق حقه في المعرفة.
تناقص القدرات المهنية
ثالثاً: كان من اخطر نتائج تبعية الصحافة للسلطة ان قدرات الصحفيين العرب المهنية قد تناقصت، فتلك القدرات تتزايد كلما زاد مجال الحرية الذي يعملون فيه.
لقد عملت السلطات في الوطن العربي على تحويل الصحفيين الى موظفين لذلك تناقصت قدراتهم على المبادرة والابداع والاستقصاء والبحث عن المعلومات والتطلع الى التفوق المهني، كما تناقصت ثقتهم في أنفسهم وفي الوظيفة التي يقومون بها.
هناك فرق بين الموظف والصحفي، لكن السلطات العربية لم تلاحظ وهى تتعامل مع الصحفيين كموظفين انها ستكون الخاسرة عندما تحتاج الى مهاراتهم المهنية.
وفي الكثير من الحالات اضاع الصحفيون فرصاً كان يمكن ان يستغلوها لصالح بلادهم لو تعاملوا معها كصحفيين وليس كموظفين.
وعلى سبيل المثال لم تقم الصحافة المصرية بواجبها المهنى في كشف جرائم اسرائيل، ومذابح الاسرى المصريين عقب عام 1967، وكان يمكن اثارة هذه القضية، وكشف الكثير من المعلومات وشهادات الجنود الذين نجوا من المذابح.
لكن الصحافة المصرية كانت مشغولة بتمجيد الزعيم، ومحاولة التخفيف من حدة الهزيمة، وكانت السلطة تتحكم في الصحافة بشكل شل قدرتها على كشف الحقائق او ادارة المناقشة الحرة حول الهزيمة.
وفي الكثير من الاحيان كانت السلطات تستخدم الصحفيين التابعين لها للهجوم على قوى المعارضة والاتجاهات السياسية والفكرية.. لكن الشعب لم يكن يصدق هؤلاء الصحفيين، وكان لدعايتهم تأثير سلبي على صورة الحكومة والدولة، فقد شوهوا صورة دولتهم، وأوضحوا انها دولة ديكتاتورية أدت تبعية الصحافة للسلطة الى نفي الكثير من الكفاءات الصحفية التي تتمتع بقدرات صحفية عالية، في الوقت الذي أتاحت فيه للكثير جدا من محدودي المواهب، الذين يجيدون النفاق، أن يصبحوا صحفيين، وأن يحصلوا على شهرة لا تؤهلهم لها قدراتهم المتدنية في العمل الصحفي، والمنافق محدود الموهبة والكفاءة هو الذي يتمكن من الوصول إلى قلب السلطة، بينما يظل الصحفي الذي يعتز بكرامته وموهبته وقدرته على انتاج مضمون متميز مغضوبا عليه من السلطات التي لا تريد هذا النوع.
أتاحت السلطات في الوطن العربي للكثير من المنافقين أن يحصلوا على مناصب في مجال الصحافة، فأفسدوا الصحافة، وقاموا بكتابة التقارير عن زملائهم، وكانوا أعداء لحرية الصحافة. كان هناك نماذج من الصحفيين الذين ينقلون الأخبار التي تقوم أجهزة العلاقات العامة بإنتاجها، أو تقوم بكتابتها أجهزة الأمن بدون إعادة صياغة بحيث تجذب الجمهور.
والسلطات تعرف ان الجمهور لا يصدق هؤلاء الصحفيين، ولا يقرأ الأخبار التي تعطيها لهم ليكتبوا أسماءهم عليها، والمقالات التي يكتبونها في مدح هذه السلطات، لكنها في الوقت نفسه تكره أصحاب الكفاءات.
هذا المرض من أهم أسباب تخلف الوطن العربي في كافة المجالات، فالسلطات الديكتاتورية فضلت المنافقين على أصحاب العلم والكفاءة والخبرة، وكانت الصحافة من أهم المجالات التي ظهر فيها المنافقون فشوهوا سمعتها، وقللوا مصداقيتها، وأعاقوا تطورها.
الصحفيون المنافقون كانوا من أشد أعداء حرية الصحافة فقد أغروا السلطات بتقييد الحرية حتى لا تظهر صحف ووسائل إعلامية تكشف ضعفهم وتبعيتهم، وفي الوقت نفسه قاموا بإبعاد الصحفيين أو إغراء السلطات بقهرهم أو اعتقالهم أو طردهم، وقاموا بكتابة التقارير لأجهزة الأمن عن زملائهم، فأصبح كتبة التقارير الامنية والمخابراتية هم أصحاب المناصب.
ولذلك فإنه كلما يتاح قدر من الحرية في أي قطر عربي تظهر كفاءات صحفية عربية، وهذا يشير الى أن تقييد السلطات لحرية الصحافة، وتبعية الإعلام للسلطة كان العامل الرئيسي في إعاقة تطور الصحافة والإعلام في الوطن العربي.


كسر التبعية
كل ذلك يوضح أنه لا يمكن أن تتطور صناعة الإعلام في الوطن العربي دون أن يتم كسر تبعية الصحافة ومحطات الإذاعة والتليفزيون للسلطات، كما أن السلطات في الوطن العربي يجب أن تدرك أن تبعية الصحافة لها خطر عليها لأن هذه العلاقة تؤدي الى تناقص تأثير الصحافة على الجمهور، وتجعل الجمهور العربي صيدا ثمينا لوسائل الإعلام الغربية، وصناعة التسلية الأمريكية، ان أهم التحديات التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي البحث عن شكل جديد للعلاقة بين الإعلام والسلطة، فعلاقة التبعية أعاقت تطور صناعة الإعلام والاتصال في الوطن العربي، وأضعفت الأمة إعلاميا وثقافيا وسياسيا.
لكن الشكل الجديد للعلاقة لا يمكن ان يكون شكل الخصومة، فهذا الشكل هو قصة اسطورية لا وجود لها في الواقع، ولا توجد في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، كما تحاول وسائل الإعلام فيها أن تصور ذلك.
نظرية جديدة
لكي نستطيع أن نبني نظرية جديدة للعلاقة بين الإعلام والسلطة يجب ان نبدأ من مجموعة الأسس من أهمها:
(1) لم يعد في استطاعة أية سلطة أن تتحكم في عملية الاتصال، بل ان محاولة التحكم سوق في صناعة الاتصال سوف تقلل من قدرة هذه الصناعة على التطور بحيث تشبع احتياجات الجمهور.
ثورة الاتصال أنهت عمليا قدرة السلطات على الرقابة ومنع تدفق الأنباء للجماهير وحجب الحقائق، لذلك فإن السلطات في الوطن العربي لابد أن تفكر في التوصل الى صياغة جديدة لعلاقاتها مع الجماهير، وأن تبحث عن وسائل لزيادة شرعيتها عن طريق برامج الإصلاح والديمقراطة والانتخابات الحرة.
عندما تزيد شرعية في الوطن العربي فإنها لن تحتاج إلى وسائل التحكم في وسائل الإعلام لأن هذه الوسائل سوف تتجه الى نقل أخبارها، التي ستكون جذابة للجماهير، لذلك فإن قيام السلطات في الوطن العربي بإعادة صياغة وجودها على أسس الشرعية والديمقراطية والتعبير عن مطالب شعوبها سيقلل حاجتها للتحكم في وسائل الإعلام، وسوف تتزايد حاجتها لحرية الإعلام حتى تجذب الجماهير لمتابعة أخبار انجازاتها الحقيقية، ان حاجة السلطات للتحكم في وسائل الإعلام سوف تقل عندما تزداد شرعيتها وقدرتها على التعبير عن طموحات شعوبها، ولذلك فإن الكفاح لتحقيق حرية الصحافة يجب أن يرتبط بالكفاح لتحقيق الديمقراطية والانتخابات الحرة ومحاربة الفساد.
(2) إن السلطات في الوطن العربي يجب أن تدرك أن وسائل الإعلام التي تتحكم فيها وتنفق عليها المليارات لم يعد لها تأثير على الجماهير، وكثيرا ماتؤدي الى زيادة كراهية الجماهير للسلطة ولوسائل الإعلام.. كما أن الصحفيين المنافقين لا يصدقهم أحد، ويثيرون السخرية من السلطات التي يمجدونها.
لذلك فإن السلطات في الوطن العربي يجب ان تعترف بأن أساليبها القديمة في التحكم والرقابة والسيطرة على وسائل الإعلام أصبحت ضارة بها وبالمجتمع.
(3) إن وسائل الإعلام يجب ان تعترف بأن السلطات الشرعية التي تتمتع برضا الجماهير ضرورة لصالح المجتمع، وان وسائل الإعلام العربية يجب ان تحرص على تماسك المجتمعات وتوحدها، وهي تقوم بهذا الدور من خلال توافر ثقافة مشتركة للمجتمع، والدفاع عن هوية المجتمع وذاتيته الحضارية واستقلاله.
ولذلك فإن الصحفيين يجب ان يتفقوا على أن لهم دوراً وطنياً مهماً، وان هذا الدور يجب ان يحترمه المجتمع والسلطة.
ولذلك فنحن مع السلطات عندما تدافع عن استقلال الوطن وتحمي أرضه، وتعبر عن إرادة شعبه وتحقق مصالحه، وتحمي هويته وآدابه وقيمه، وعندما تكون سلطات شرعية تلتزم بالديمقراطية وتأتي الى الحكم عن طريق انتخابات حرة، وفي الوقت نفسه فإن من حق الصحفيين ان يبحثوا عن المعلومات لصالح المجتمع، ويقوموا بنشرها، كما ان من حقهم ان ينتقدوا السلطة ويحموا المجتمع من اساءة استخدام هذه السلطة.
(4) إن الصحافة ووسائل الإعلام تقوم بدورها لصالح المجتمع عندما تكشف عن انحرافات الأشخاص الذين يتولون السلطة وتكشف عدم قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة لصالح المجتمع.
ووسائل الإعلام عندما تقوم بهذا الدور فإنها تخدم السطة، فهي تدفع الأشخاص الذين يتولون السلطة الى التفكير بشكل جاد في القرارات التي يقومون باتخاذها والحرص على الالتزام بقيم المجتمع ومصالح الدولة، والتقليل من الانحرافات والفساد خوفاً من الصحافة.
إن على السلطات ان تدرك أنه من الأفضل ان تخاف من الصحافة فتتخذ القرارات التي تحقق مصالح الشعب بدلاً من ان تجد نفسها في مواجهة شعب جائع، أو ثورة شعبية.
(5) ان من واجب السلطة حماية مصالح المجتمع التي تتمثل في توفير كل الفرص لتطوير الصحافة ووسائل الإعلام في المجتمع بهدف زيادة قوة الدولة الإعلامية واشباع احتياجات الجمهور للمعرفة.
لذلك فإن السلطة يمكن ان تتدخل لمنع أية اتجاهات احتكارية من السيطرة على صناعة الاعلام والاتصال وضمان حقوق كل الاتجاهات السياسية في الوصول الى الجماهير باستخدام الصحافة ووسائل الإعلام.
(6) ان تلتزم السلطة بتوفير المعلومات للصحفيين، وضمان حقهم في الوصول الى مصادر المعلومات وتغطية الأحداث دون تمييز بين الوسائل الإعلامية أو الصحفيين.
(7) لكي تتمكن الدول العربية من تطوير صناعاتها الاعلامية والاتصالية فإن السلطات لابد ان تقوم بالغاء كل القيود القانونية والسلطوية التي تعوق تطور هذه الصناعة، فالمحافظة على تلك القيود تشكل اعتداء على حق المجتمع في تنمية موارده الإعلامية وتطويرها.
مسؤولية وسائل الإعلام
إن كفاح الصحفيين العرب لتحقيق حرية الصحافة يجب ان يتطور ويجب ان نفتح آفاقاً جديدة للكفاح من أهمها تطوير مسؤولية الصحافة ووسائل الإعلام نحو المجتمع والجماهير بحيث يمكن صياغة عقد اجتماعي بين وسائل الإعلام والمجتمع.. في مقابل ان يحفظ المجتمع حرية الصحافة ويحمي حرية الإعلام والإعلاميين، يجب ان يلتزم الإعلاميون بالقيام بعدد من الوظائف لصالح المجتمع، وهذه الوظائف تشكل جزءاً مهماً من الذاتية المهنية للصحفيين، كما انها ستؤدي الى تحسين صورتهم وتشكل علاقة ايجابية مع الجمهور، ومن أهم الوظائف والواجبات التي يجب ان يلتزموا بها ما يلي:
(1) ان يلتزم الصحفيون بالوفاء بحق الجماهير العربية في المعرفة، وذلك بالسعى لتغطية الأحداث والحصول على المعلومات من مصادر متعددة ومتنوعة.
(2) يلتزم الصحفيون بالدفاع عن استقلال الدولة وحرمة اراضيها في مواجهة أي عدوان خارجي، وعدم نشر معلومات يمكن ان يستغلها أي عدو خارجي.
(3 يلتزم الصحفيون بالعمل على تحقيق تماسك المجتمع وتوحده.
(4) يلتزم الصحفيون بالحفاظ على منظومة القيم الاخلاقية والاجتماعية وعدم إثارة الفتن في المجتمع.
(5) المساهمة في الإدارة الديمقراطية للمجتمع عن طريق ادارة المناقشة الحرة بين الاتجاهات السياسية والفكرية.
(6) ان يحترم الصحفيون دور السلطة ووظائفها مع التأكيد على حق الصحافة ووسائل الإعلام في النقد وكشف الانحرافات والفساد.
الالتزام بهذه المسؤوليات طواعية واختياراً سوف يزيد قوة الصحفيين في مواجهة السلطات في الوطن العربي، وينزع من أيدي هذه السلطات الحجج التي تستخدمها في تقييد حرية الصحافة، كما ان الالتزام بهذه المسؤوليات يمكن ان يزيد احترام الجماهير للصحفيين ويقوي علاقتهم بالجماهير.
لذلك فإننا نحتاج الى مؤتمر عام للصحفيين العرب نشكل خلاله الاتفاق على الأسس التي تقوم عليها مرحلة كفاح جديدة لتحقيق حرية الصحافة، ونقوم باصدار ميثاق شرف يتضمن التأكيد على وظائفنا ومسؤولياتنا، ويشكل عقداً اجتماعياً مع جماهيرنا.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...