هل من الممكن ان تكون ثورة تونس في خطر ؟؟

إن الذي حدث في تونس ، منذ قيام محمد البوعزيزي بحركته الثائرة ، هو بمثابة ثورة شعبية بكل المقاييس، انطلقت كردة فعل صادقة لما كان في البداية محاولة يائسة لرد مضلمة فردمن هذا الشعب ، تحولت بعد ذلك الى مطلب شعبي يطالب بتحرير وطن بأسره من براثن استبداد قبع على صدور الناس منذ أكثر من ستة عقود. 

كيف تكون ثورة شعبية في خطر بعد أن اثبتت اصراراها وأكدت ثباتا منقطع النضير أمام آلة القمع ؟



تكون كذلك حين لا يحسن من تبناها، من مفكرين وسياسيين ومجتمع مدني، قراءة ما يحدث بمنضار علمي مستنير ، يحترم القواعد المتعارف عليها في التعاطي المسؤول مع الثورات الواعية بمطالبها الشرعية.


هذه الثورة باتت تحديا لمن يريد أن يحتضنها من أحزاب وحركات ومنظمات مناضلة، وهي كذلك تحديا للدول العظمى التي تريد احتواءها استباقيا ودرء انفلاتها من قبضتها بأي وسيلة تتطلبها التطورات المحتملة في حراكها ومآلاتها.



إن الذي تقوم به القيادات الطبيعية التلقائية للثورة ينبأ بنوع ارتجال، بل تخبط في التعاطي مع ما يقوم به محمدالغنوشي وجماعته في محاولة تطويق الثورة وإجهاضها في مهدها بطريقة سلسة مستساغة. لعله نجح في ذلك مع بعض المتحزبين، ولكن حيله السمجة لم تنطلي على طلائع الثورة المخلصين لوطنهم وشعبهم.



يروّج محترفوا السياسة تارة لحكومة انقاذ وطني وتارة أخرى لحكومة ائتلافية ، وهذا ما يؤكدعدم فهمهم لما حدث في تونس ، أو انهم لا يزالون تحت تأثير سكرتهم التي سببتها لهم ثورة فاجأت حنى الدول العظمى، ناهيك عن معارضة مكبلة الأيدي مقهورة بقوة السلاح ومنهكة بسبب الخلافات والإنقسامات عاجزة عن الإبداع والتأقلم والتنسيق.



حكومة ائتلافية بين من ومن؟ بين بقايا حزب لا تجمعي ولا دستوري ولا ديمقراطي ومن؟ 
حزب لا عقيدة له سوى الهيمنة على مقدّرات البلاد، متشبثا بحكم مغتصب بقوة السلاح، سقط حين غادررئيسه البلاد مطرودا منبوذا من قبل الجميع.
هل يحق لنا أن نضع في المعادلة المعارضة الحاصلة على الشرعية القانونية ، والتي كانت ولا تزال منسلخة عن الهموم الشعبية ، منحازة بشكل فاضح الى فريق التسلط على رقاب الناس بطائلة الميليشيات والوشاة والمخبرين . 
نذكر جيدا حين أفاق هؤلاء من سبات نومهم مذعورين من وقع أقدام الشعب الأبي وهو يصعّد حملته على حاكم فاجر مفسد سلبهم كل حق طبيعي في الحياة ، وبدل أن يتبنوا مطالب الشعب وهمومه، طفقوا يهاجمون "قناة الجزيرة"، التي فتحت لشعب تونس ما أغلقه بوليس بن علي ، ومكنتهم من إيصال صوت استغاثتهم الى أحرار العالم .



هل ننسى تسعون في المائة من المعارضة المناضلة التي حوصرت وهجّرت ونفيت ، اكثرها انقسم على نفسه ، ومنهم من اختفى عن المشهد السياسي وفوجيء ، كأغلب المراقبين والمهتمين بالشأن العام ، بأول ثورة شعبية في القرن الواحد والعشرين ، هذه المعارضات التي تحتاج لوقت ثمين كي تلملم شتاتها وتعيد بناء هياكلها وتنقي صفوفها من عناصر انهارت تحت ضغط الحصار، وتنازلت بسبب طول الأمد ، ومالت الى الخنوع بسبب العجز وحسرة الإنهزام أمام استبداد منظم ومقنن يحضى برضا المستكرهين المغلوبين على أمرهم .



هل يحق لنا أن نغفل النقابات التي أجّجت نار الثورة وصعّدت إيقاعها بعد أن حررها الشعب الثائر من القيود التي فرضت عليها.



وهنا يتبادر الى الذهن السؤال الأهم : هل يحق لنا أن نعطي المعارضة حجما أكبر مما تستحق على حساب إرادة الشعب ، الذي هو في كل الأحوال فوق الدستور والقانون والحكومات ، باعتباره صاحب السلطة الحقيقي ، يعطيها لمن يشاء بالرضا والإختيار؟
قطعا لا وألف لا.



إلام نحتاج اليوم وفي أقرب الآجال؟ 
حكومة إنقاذ وطني؟ حكومة تنقذ ماذا؟ وهل ترك لنا المجرمون ما يمكن انقاذه؟



نحن نحتاج أولا وبشكل عاجل لحكومة تسييرأعمال تدير شؤون البلاد بالقانون الحالي ، مع التعديلات اللازمة لسد الثغرات القانونية المعوقة للسير الطبيعي للحياة السياسية ، بغرض التمهيد لإعادة بناء أسس الدولة ونظامها السياسي بالشكل الذي برضاه الشعب ويختاره .
حكومة تترجم مطالب الشعب وليس النخبة ومحترفي السياسة . 
حكومة لا تتلاعب بمواد الدستور ونصوص القانون كي تُصادر وتُقصي من تشاء . 
حكومة وطنية تتشكل من مخلصين لوطنهم واحتياجات شعبهم ، نضيفي الأيدي والتاريخ ، ذوي كفاءة ونزاهة لا تشوبها شائبة ، منزهيين من أي ارباط خارجي مشبوه . 
حكومة قادرة أن تحدث ذلك الفصل القاطع الحاسم مع الماضي ، بتجريد بن علي من صفته كرئيس للجمهورية ، وحل حزب التجمع وإعلان عدم قانونيته ، بدون انتهاك حقوق من لم تتلوث يديه بجرائم ضد الشعب التونسي ، ومحاسبة من ضلع في أعمال القتل والنهب ومن تواطأ على ذلك ، بما يرضي الشعب التونسي ويقرّ عينه . 



أما لو استمر الحال على ما هو عليه ، فسوف تجد دول الهيمنة مبررا كي تحاول التأثير بشكل أو بآخر على مسار التحول بما يتوافق مع مصالحها اللإستراتيجية ، الذي يصعّب على شعب تونس الخروج من النفق المضلم الى الفضاء الواسع الذي ضاق عليه بالأمس بما رحب .



إنه من الأهمية بمكان أن يستمرّ النضال الشعبي في هذا الإتجاه ، حتى نغلق الأبواب في وجه المتربصين بثورتنا في الداخل والخارج .

 .
بقلم

ايوب 


0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...