من سيسرق الثورة في تونس؟



لماذا سقط الديكتاتور .. وبقيت الديكتاتورية حزباً ومؤسسات فى تونس ؟ 


* هل قامت المخابرات الفرنسية والأمريكية بدفع الجيش التونسى لطرد بن على لامتصاص الغضب الشعبى والتجديد السياسى بشروط ومقاييس الغرب ، تمهيداً لتعريب هذا النموذج على بلاد عربية أخرى ؟ 
* ماذا كانت تفعل أجهزة المخابرات العربية فى تونس بعد هروب بن على ؟ ولماذا استقبلته السعودية ورفضته فرنسا وأمريكا ؟ وما هو الدور السرى لقناة الجزيرة فى تضخيم الأحداث فى تونس ولصالح من ؟ 



* هل سيتعظ الحكام العرب من نهاية (زين العابدين) وهل يكفى إحراق (شباب البطالة) لأنفسهم لتنطلق الشرارة فى البلاد العربية الأخرى ؟! 



* هل ستتأثر العلاقات التونسية – الإسرائيلية الدافئة بسقوط الطاغية أم أنها باقية لبقاء النظام الذى أنتجه ؟ 

****** 
* بالتأكيد ، لا يوجد ، مثقف ، أو مواطن عربى عادى ، لم يفرح بما جرى فى تونس ؛ وبالتأكيد أثلجت قلوبنا جميعاً رؤية الديكتاتور وقد أذلته غضبة الناس ، وغضب الله ، وأن يظل معلقاً فى السماء بطائرته ست ساعات لا يقبل من عمل خادماً مطيعاً فى أجهزة مخابراتهم ضد الشعب وبخاصة الإسلاميين ، لأكثر من 23 عاماً ، أن يستقبلونه فى باريس أو واشنطن ، إلى أن أنقذه ، من هم على شاكلته ، حفاظاً لمصالح ومليارات منهوبة مشتركة. 



وبالتأكيد إن كل عربى ، محب للحرية ، ولفلسطين ، شعر بالسعادة والفرح عندما شاهد بعينه سقوط الرجل الذى أدخل الآلاف من المعارضين إلى السجون ومارس أخطر وأحدث وسائل التعذيب الجسدى والنفسى ، وأقام علاقات دافئة مع الكيان الصهيونى وفتح له قنصلية ومركز أكاديمى وفنادق خاصة للسياحة بالقرب من جربة ، إنه ولاشك حدث تاريخى بإمتياز ، وثورة شعبية عفوية تستحق التقدير والإجلال ، ولكن ؟ ، وآه من لكن تلك ؛ إن ثمة تساؤلات تطرحها اللحظات الراهنة لثورة دعونا نسجلها ونحاول أن نجيب عليها : 
(1) 



* السؤال الأول : هل ثورة بهذه العفوية والبراءة تنتهى بأن يشكل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية ، أحد رجالات زين العابدين المدعو (محمد الغنوشى) ؟ وأن يصبح( المبزع )، الذى كان يرأس البرلمان التونسى المشبوه ، الذى سبق وطالب بالتجديد مدى الحياة لزين العابدين بن على ، أن يصبح رئيساً مؤقتاً للبلاد وأن يظل وزير الداخلية (المشهور بإرهابه وقسوته ضد المعارضة) وزيراً للداخلية ، وكذا وزير الخارجية وباقى الوزارات السيادية ، وأن تظل ذات السياسات ، ونفس الحزب الحاكم كما هو ، إذن ما جرى هو سرقة منظمة وخبيئة للثورة (ولن نقول ذكية لأنه لا ذكاء للمجرمين والخونة .. بل خبث ودهاء) . إن ما جرى هو إسقاط مؤقت للديكتاتور ، الطاغية ، وبقاء للديكتاتورية مؤسسات ، ونظاما وحزبا فاسدا أدار البلاد مثل عزبة ليس فحسب فى عهد زين العابدين وزوجته (الكوافيرة السابقة) ليلى الطرابلسى ، بل فى عهد بورقيبة السابق !! . 



إننا بالفعل أمام ارتداد أسوأ ، لأنه يجمل القبيح الذى كان ينبغى أن يزول وينتهى بضربة واحدة ، فإذا بهم يمتصون الغضب الشعبى ثم يأتى أعداء هذا الشعب للركوب ثانية على دفة الحكم ، تمهيداً لإعادة انتاج (زين العابدين) آخر ، سوف يطل علينا بعد ستة أشهر .. أى فى الانتخابات القادمة . 



(2) 



والسؤال الثانى من أسئلة (الثورة المسروقة) فى تونس ، هو من الذى خطط لسرقة الثورة أو الانتفاضات الشعبية ، هل هى المخابرات الغربية (وتحديداً الفرنسية والأمريكية) ولماذا ؟ إن الإجابة المستندة إلى معلومات ، وليس تحليلاً فحسب ، تؤكد أن مخابرات باريس وواشنطن ، اللتان دفعتا الجيش التونسى ليتحرك ضد إرادة الرئيس السابق ، وأن يوجه إليه إنذاراً بالرحيل وأن الهدف لم يكن كما أشيع أن الجيش رفض ضرب المتظاهرين بالرصاص ولكن الهدف كان (التجديد) فى موقع الديكتاتور ، كان الهدف هو الانقلاب داخل القصر ، وليس الثورة، لأن زين العابدين قد استنفذ أغراضه ولم يعد مفيداً لهذه المخابرات ، بعد أن كان رجلها الأول فى شمال أفريقيا ، وبعد أن تم تجنيده للمخابرات الأمريكية فى أوائل الثمانينيات عندما كان سفيراً لتونس فى بولونيا ، الرجل بات فاسداً ومستبداً إلى الحد غير المقبول ، ولم يعد مفيداً فى المرحلة القادمة ، من مراحل الاستعمار الغربى المتجدد على بلادنا ، فاستوجب تغييره ، فى إطار غضبة جماهيرية ، يبدو وكأن تغييره جاء استجابة لها فقط ، وليس وفق المؤامرة الأمريكية / الفرنسية والتى استهدفت أيضاً ، محاولة لتجريب هذا النموذج من التغيير (تغيير الديكتاتور وبقاء الديكتاتورية نظاماً وحزباً) أولاً فى تونس الصغيرة سكاناً (10 ملايين) فإذا نجح ينقل بعد ذلك إلى البلاد التى أضحى حكامها عبئاً على واشنطن وتل أبيب والغرب لزيادة جرعة فسادهم واستبدادهم وتعدى رائحتها الكريهة للحدود المسموح بها غربيا ؛ وإذا فشل بقيت الديكتاتورية ورجالها ولن تخسر هذه الدول ، الكثير لأن تونس بالنسبة إليهم ليس بها نفط ، ولا حدود مشتركة مع إسرائيل ، ولا يوجد بها حزب الله أو حماس !! . 



إن ما جرى هو محاولة غربية (فرنسية – أمريكية) لسرقة الثورة والالتفاف عليها ، وتصعيد جنرال آخر من نفس النظام ، فهل ينجح المخطط ؟ وهل يدرك التونسيون أبعاده الآن وليس بعد تنفيذه وفوات الأوان ؟ أتمنى من قلبى أن يجهض ، وأن تتواصل الثورة وأن يخيب المخطط الغربى المخابراتى الخبيث والذى عاونهم فيه أجهزة مخابرات عربية ، ذهبت إلى تونس على نفس الطائرات التى هربت زين العابدين بن على ، ليديروا الملف ويجهضوا الثورة ويكملوا عملية السرقة المنظمة لها . وهى أجهزة خططت لاستقباله فى جدة ، بالتنسيق مع فرنسا وأمريكا ، وساهمت بعض وسائل الاعلام ذات الصلة بالوائر الربية وفى مقدمتها(قناة الجزيرة )بإعلامها القوى فى تجسيد التمثيلية ، وإظهار الأمر وكأنه فيلم هوليودى يجرى أمامنا ، حتى يبدو الأمر وكأن عواصم الغرب كانت غاضبة منه وأنها ترفض مجرد استقباله وأن (مكب النفايات العربى المخصص لاستقبال واعادة انتاج الطغاة السابقين من عيدى امين وبراويز مشرف الى زين العابدين) هو الأولى باستقباله واستضافته ، رغم أن (الرجل) لم يتوان لحظة عن العمالة الرخيصة لتلك الدول الغربية طيلة الثلاثين عاماً الماضية منذ أن كان مديراً للأمن العام فوزيراً للداخلية ، وحتى أضحى رئيساً فاسداً لعدة دورات .. ورغم ذلك ، ولأن هذا الغرب (برجماتى) ولا أخلاق له ، رفض استقباله وترك المهمة لرجاله فى المنطقة !! . 



(3) 



والسؤال الثالث .. وفى أجواء هروب الطاغية ، وعملية تصنيع (نموذج للثورة الناقصة) لتغيير وجوه بعض الحكام الفاسدين ، والمستبدين ، رغم عمالتهم ، هل سيتعظ الحكام العرب (ملوكاً وجنرالات) من النهاية الدرامية لزميلهم (زين العابدين) أم هى الصحوة الوقتية ؟، والتى سيعقبها استمرار لنفس السياسات ، بذات الفساد ، تحت دعوى أن من يدعى ثورة مشابهة فى بلادهم غير مدرك للفوارق بين تونس وبلادهم ، أو أن هذا (كلام فارغ) على حد (الوصف العبقرى لوزير خارجية مصر) الذى لم يتقن منذ جاء وزيراً حسن إصدار الأحكام والأقوال ، وطبعاً الأفعال .. فالخارجية المصرية فى أسوأ حالتها منذ تم اختراع هذه الوزارة وانظر حولك من الملف الفلسطينى إلى الملف السودانى لتعلم حجم البؤس والفقر فى العمل والخيال الدبلوماسى المصرى فى عهد الأخ أبو الغيط .. على اية حال دعونا نعود لنسأل هل سيتعظون ؟ وهل وصلتهم الرسالة الأمريكية البراجماتية لتغيير (الديكتاتور مع بقاء الديكتاتورية) ، نحسب أن البعض منهم قد فهم الرسالة ، ولكن الأغلبية تكابر ، ولن تتسلمها إلا على جثتها أو وهى فى الطائرة الذاهبة إلى جدة ، ونحسب أيضاً أن هذا العام (2011) سوف يشهد عدة رحلات جوية ليلية إلى جدة أو قطر ، من بعض العواصم العربية الموعودة بتمرير النموذج الأمريكى الجديد للتغيير أو للفوضى الخلاقة فى مرحلتها الأخيرة ، وأن (قناة الجزيرة) تستعد من الآن بأفلام هوليودية ملونة ، ومضخمة لأصغر حدث (إحراق بعض الشباب لأنفسهم بسبب البطالة مثلاً) خدمة لذات النموذج علمت(الجزيرة) أو لم تعلم ، أرادت أو لم ترد !! 



(4) 



ويتبقى سؤال رابع وأخير من أسئلة الثورة المسروقة فى تونس ؛ هل ستتأثر العلاقات التونسية/ الإسرائيلية التى كانت دافئة للغاية فى عهد زين العابدين ، وهل سنشاهد انحساراً لها؟ فى ظنى أن هذه العلاقات صعوداً أو هبوطاً مرتبطة بمدى إدراك الشعب التونسى وقواه الحية المحترمة لحجم المؤامرة التى تستهدف سرقة الثورة ، وتعديل مسارها ، وأنها إذا ما أدركت ، ثم أفشلت تلك المؤامرة ، وهو ما نتوقعه – أو نتمناه – فإن ضربة مهمة وكبيرة تكون قد وجهت ، إلى الكيان الصهيونى وعلاقاته الواسعة مع تونس التى كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة فى القطاع الاقتصادى والثقافى والسياحى ( ولم تكن مصادفة انه فى الليلة الأخيرة من ليالى الثورة قامت إسرائيل بتهريب 20 سائحاً إسرائيلياً عن طريق جزيرة جربة وفقاً لتصريح ليوسى ليفى مسئول الإعلام بوزارة الخارجية الإسرائيلية )؛ وكان للديكتاتور السابق أدواراً مهمة فى بناء علاقات سرية بين إسرائيل وبعض مشيخيات الخليج ومنها الدولة التى هو ضيف عليها الآن ، وكان أيضاً متآمراً بدرجة ما فى تسهيل عملية اغتيال القائد الفلسطينى الكبير الشهيد (أبو جهاد) والعديد من قادة المقاومة الفلسطينية عندما كان مقر إقامتهم فى تونس فى نهاية الثمانينيات وهى فضائح سوف يكشف التاريخ عنها الكثير فى الأيام القادمة ، ومعها سيكشف عن أدواره فى فتح العديد من البلاد الإفريقية أمام الموساد والهستدروت وكافة أجهزة الكيان الصهيونى ،أن هذا الدور الخطير لزين العابدين ، فى خدمة إسرائيل ، سوف ينتهى فى حالة واحدة فقط ، إذا ما أدرك صناع الثورة أن ثورتهم تسرق ، وأنهم وحدهم ينبغى أن يبادروا بقطع يد السارق ، وليس التعايش معهان إن الحقيقة الساطعة ، أمامنا اليوم ، وفى هذه اللحظات التاريخية التى تمر بها تونس والمنطقة العربية ، أنه إذا ما نجحت الثورة ،(ونجت من السرقة) ووصلت بالفعل إلى مداها ، وأبطلت جريمة السرقة الكبرى التى ينفذها شياطين الديكتاتور السابق ، وأجهزة المخابرات الغربية والعربية فإن كثيراً من الحقائق والمسلمات ، سوف تهتز وتسقط ، وهذا ، ما يتمناه ، كل حر فى عالمنا العربى ، المبتلى ، بالطغاة والغزاة معاً !! 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...