الجوسسية القانونية:التمويل الاجنبي نموذج




يعد جمع المعلومات الأساس الذي تبنى عليه أجهزة المخابرات في كافة أنحاء العالم، وفي ضوء تلك المعلومات يتم اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، ، فهذا 'ستانفيلد تيرنر'- المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية - يصرح بأن 'الحصول على المعلومات بالنسبة لبلد مثل أمريكا مهم للغاية فالولايات المتحدة دولة ذات نشاط عالمي ، فهي تحاول التواجد في كل بقعة من العالم' – ولم تعد الجاسويسة التقليدية كافية لتحقيق هذا الهدف الذي تتسع مطامح صاحبه يوما عن يوم فتم استحداث ما يمكننا ان نطلق عليه الجاسوية المقننة ، حيث يتم استخدام التمويل الأجنبي من اجل الانفاق على أجندات ومشروعات تحددها الجهات المانحة وتعمل على تحقيق هدف جمع المعلومات ، وذلك بقصد أو غير قصد من المتلقي ويفسر أحد الباحثين الغربيين اسباب لجوء الدول الرأسمالية لسياسة التمويل الأجنبي في جمع المعلومات حيث يقول أن ' الدول العظمى والمنظمات الدولية المانحة للمساعدات أصبحت تعتمد على المنظمات غير الربحية نتيجة لما تملكه تلك المنظمات من معلومات وإحصائيات مهمة ودقيقة وحديثة عن الأوضاع في الدول التي تعمل فيها والتي يصعب على الدول والمنظمات المانحة الحصول عليها بطرقها وقنواتها الرسمية والدبلوماسية المباشرة من الدول والمجتمعات المحتاجة والمتلقية للدعم من الهبات والقروض للبرامج المختلفة نتيجة لعدم وجودها أصلا أو لصعوبة الحصول عليها لعدم تنظيمها بطريقة منظمة أو لسريتها كما هو في كثير من دول العالم الثالث' وهذا يفسر الاهتمام غير العادي من الجهات المانحة من إجراء أكبر كم من الأبحاث الميدانية في المجتمعات العربية بكافة طبقاتها والإنفاق السخي على تلك الأبحاث التي يلمس المطلع عليها خطرها على الأمن القومي العربي فضلاً عن مخالفتها لكافة الأعراف العلمية والقانونية المرتبطة بجمع البيانات وإجراء الأبحاث وفي هذا الصدد يقول 'محمد حسنين هيكل ' ' أنا غير راض أساساً على التمويل الخارجي للأبحاث فالمثل الإنجليزي يقول [ الرجل الذي يدفع للزمار هو الذي يقرر النغمة التي يعزفها الزمار].... ويضيف هيكل.... عندما لا يكون لنا رأي في توجيه هذا التمويل للأبحاث ولا نعلم لمن تقدم نتائج هذه الأبحاث وفي غياب مفهوم شامل يعطيني كل الصورة وبدون رقابة أو توجيه يدخل التمويل للسيطرة على عقل المجتمع ووجدانه ، فعندما يكون أحد الأبحاث يمول من 'السي آي إيه ' أو 'المركز الأكاديمي الإسرائيلي' ، فهل يعقل أن يكون ذلك طبيعيا ؟ وهل يمكن أن نفصل بين موضوع البحث ومن سيستفيد منه؟ فعندما نجد أن 100 مليون دولار من المعونة الأمريكية مرصودة للأبحاث، فلابد أن اسأل ما هو المطلوب ؟؟' .واندماج الهدف الاستراتيجي 'جمع المعلومات' مع التمويل الأجنبي يسير وفق سياسة ترابطية محددة وليس مجرد لقاءً عابراً كما يحلوا للبعض وصفه فهو يسير وفق ما يطلق عليه [ الطبيعة الانتشارية للتمويل ] بمعنى أن يغطي التمويل غالبية أرجاء الدولة من ناحية وغالبية القطاعات والهيئات والمؤسسات من ناحية أخرى وذلك بهدف توفير الركيزة الأساسية ' لسياسة جمع المعلومات ' والتي يصفها الباحثون بأنها 'سياسة لها وزنها الاستراتيجي في التوجه الخارجي الأمريكي بصفة عامة، والأمن القومي بصفة خاصة ' . ولا يقتصر الامر على جمع المعلومات فقط بل يمتد أحياناً لاستقدام خبراء محليين إلى الدولة المانحة ليقوموا بتقديم تحليلات وتفسيرات للمعلومات التي تم جمعها، فضلاً عن تقديم تقارير مباشرة عن الأوضاع الداخلية للبلاد، والمانح في ذلك يشترى بالدولارات القليلة التي يدفعها تفسير المعلومة بلسان قومها وبالخلفية المرجعية للخبراء التي تتقاطع مع الخلفيات المرجعية للمبحوثين، ولعل ما قدمه الباحث 'منصف السليمي' يوضح تلك الجزئية، وذلك عندما أشار إلى أن ' المؤسسات السياسية تتوخى أسلوب دعوة الخبراء والأساتذة الجامعيين لتقديم تقارير وآراء بشأن المشاكل والقضايا المطروحة قبل اتخاذ القرارات. وخلال السنوات العشر الأخيرة ركزت أجهزة : [ وزارة الدفاع - الخارجية - وكالة المخابرات - لجنة الشئون الخارجية والخاصة بأوروبا والشرق الأوسط بالكونغرس] على تكليف مئات الباحثين لإنجاز دراسات وأبحاث حول إحدى الظواهر في منطقة الشرق الأوسط. ويشكل معظم الأكاديميون العرب المقيمون بالولايات المتحدة وقادة الأبحاث والدراسات في الجامعات العربية مجالاً أساسياً للتوظيف وبالتعاون في هذا الموضوع نظراً لارتباطهم الاجتماعي والثقافي والحضاري بمثل هذه الظواهر' .ولا يقتصر الامر في هذا الصدد على المنظمات غير الحكومية فقط وانما يتم استخدام ما يطلق عليه 'شركات الابحاث التسويقية' والتي اخذت في الانتشار في الآونة الأخيرة في بعض الدول العربية و تعمل في حقل الأبحاث التسويقية لبعض المنتجات الاستهلاكية حيث يخيل لغير المطلع أن المسألة في ظاهرها إجراء بحوث ذات طابع تسويقي تجاري إلا أن حقيقتها هي جمع معلومات تعطي تفصيلات دقيقة عن الأسرة العربية وبصفة خاصة المرأة العربية داخل محيط المنزل مع دراسة الحياة الخاصة لفئة محددة من فئات المجتمع عملاً بقاعدة 'الوصول للخصوصية من خلال العمومية '.و95% من الأبحاث التي تقوم بها مثل هذه الشركات تحمل نموذجاً داخل استمارة البحث يطلق عليه [Lsm] وهذا النموذج يمثل 80% من الاستمارة وهو عبارة عن مجموعة من الأسئلة الشخصية التي ليست لها علاقة بالمنتج المراد تسويقه والـ 5% الباقية عبارة عن أبحاث تسويقية لا تضم النموذج السابق .وتحاول بعض تلك الشركات الانسلاخ من خلال ثغرة قانونية تعفيها من مسؤولية الاستمارة وذلك بأن تكون استمارة البحث غير مدون عليها اسم الشركة ، ولكن الباحث مكلف بذكر الاسم شفاهه.ليتم بعد انتهاء الاستقصاء ادخال النتائج الى ورش العمل والتي يتم فيها تجميع المعلومات الصغيرة الناتجة عن تلك الابحاث ليتكون النسيج الكبير المعروف بـ 'التراكم المعرفي' والذي يعطي مؤشرات أوضح لأهداف محددة.والخطور تكمن في أن معرفة المعلومات شديدة الخصوصية بالمرأة - خاصة إذا كانت زوجة شخص ذي وضع متميز - معرفة ذلك بالطرائق التقليدية للجاسوسية يتكلف مبالغ طائلة وربما لا تأتي بالنتائج الإيجابية المأمولة مثلما يحدث في الابحاث الميدانية ، كما أن الخطورة في الابحاث الميدانية لا تقف عند جمع المعلومات فقط لكنها تمتد لصناعة ازمات اخلاقية فالابحاث في معظم الحالات تتم بين شاب في بداية العشرينيات وغالبا غير متزوج وبين امرأة في الغالب بمفردها في المنزل في فترة إجراء البحث والتي يتعمد إجراؤها صباحاً أثناء غياب الرجال في أعمالهم وهذا الشاب هو شخص أجنبي عليها والحديث المتبادل المتطرق للخصوصيات والتي وصلت في بعض الحالات الى السؤال عن عدد مرات الاستحمام وكيفيته حديث يحمل في طياته حبائل الشيطان.وهناك نوع آخر من الأبحاث التي يطلق عليها 'تسويقية 'والتي تقوم بها إحدى شركات الأبحاث التسويقية والتي تزعم أنها تساعد وسائل الإعلام على معرفة عادات الناس في تعاملهم مع ما يقدمه التلفاز والمواعيد والبرامج التي تناسبهم وهذه الأبحاث طويلة المدى وتعتمد على نظام العينة وهو مشروع يغطي معظم أنحاء الدولة – 'ونلفت الانتباه في هذا المقام إلي أن القنوات التلفزيونية عندما تعتزم إجراء أي بحث استقصائي فإنها تتبع الإجراءات القانونية الرسمية وتعلن عن ذلك في الإعلام وتكون مدة المقابلة الاستفهامية في حدود الخمس دقائق وتدور حول جودة البرامج وتقييم الجماهير للأعمال المعروضة والمذاعة ومقترحاتهم نحو تطويرها وليست الدراسة المتعمقة لعادات المشاهدين وحياتهم الخاصة' - ويطلق على البحث الإعلامي الذي تجريه شركة الأبحاث التسويقية اسم ' بحث مشاهدة التليفزيون' وهذه الدراسة المتعمقة لعادات الناس تعطي صورة تفصيلية للشعوب العربية ومن ثم القياس المسبق لردود الافعال حيال اية قضية مطلوب طرحها وغير ذلك كثير من الاهداف التي تحملها تلك الابحاث .نوع اخر من الابحاث التي تجريها شركات الابحاث التسويقية وهي الاستقصاء الموجه لاصحاب المتاجر ،وما يثير الدهشة أن المحلات والأكشاك التي ستجرى عليها تلك الابحاث محددة مسبقاً في صورة خرائط تفصيلية بيانية غاية في الدقة تبدو وكأنها ملتقطة بواسطة قمر صناعي ، وهذا إن دل فإنما يدل على أن هناك خطاً مفتوحاً بين شركة الأبحاث التسويقية وبين أحد الأقمار الصناعية ...... ومعلوم أن التنسيق بين أية جهة والأقمار الصناعية يخضع لشروط دولية قهرية ويتكلف مبالغ طائلة ......فما هو عائد ذلك المشروع الذي يستدعي هذا التنسيق ؟تلك الخرائط لا يتعامل معها الباحث مباشرة لتحديد النطاق الجغرافي للبحث لكنها تمر على مجموعة من الشباب الوطنيين خريجي كليات الهندسة مهمتهم إعادة رسم الخريطة يدوياً أي تحويلها من صور فضائية ملتقطة بالأقمار الصناعية إلى خرائط يدوية تعطي انطباع بان حصر المحلات تم بصورة بشرية ميدانية في ارض الواقع وبذلك تمحى أية إشارات للقمر الصناعي بعد أن أدى دوره المنوط به.إن هناك الكثير من الابحاث الميدانية التي اجريت في بلداننا العربية والتي تجري والتي ستجرى وكلها يدعمها دولارا دندن على حاجة شاب من الشباب تم تغييبه ليؤدي هذا العمل بتفاني واخلاص وكأنه يبني نهضة بلده في حين انه يخلخلها دون ان يدرى ومن يدرى ترتفع له البنديرة الدولارية حتي لا يفكر في ان يدري ، واذا فكر فهناك الكثير من الوسائل التي يمكن استخدامها في هذه الحالة 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...