روى كذبان بن فارينة عن أبي مجون عن سريق التجوعي قال: لما قام أهل أفريقية ضد الخليفة زين العابدين وأطردوه إلى جزيرة العرب وبلاد ال سلول انفض الهمل من بني تجوّع وهم أهل دناءة وخسة لا يؤتمن جانبهم ولا يرتدعون بخلق ولا دين ولا يعرفون عهدا ولا ميثاقا، وكانوا في كل أيام سلطانه يزينون له الباطل ويتمسحون بأعتابه ويسبغون عليه أسماء الآلهة ويتأدبون في الحديث عنه تأدب المؤمن مع خالقه، وقد روى بعض الثقاة أن نفرا غير قليل منهم اتخذه إلها يعبده ويخرّ ساجدا جاثيا عند أصنام له اتخذوها في مكاتبهم وزواياهم يقال لها لجان تنسيق وشعبة
وظلوا على ما ذكرنا من حالهم حتى تنادوا إلى مجلس سمي بنداء الوطن لعجوز لهم يقال له الباجي القائد السبسي عاصر الخليفة الهارب وكان أحد رجاله الطيّعين فوهبه خمّارة بالحاضرة لقاء وفائه، فاكتنزت جيوبه بالدراهم والدنانير وتخلّق بأخلاق الحثالة والحشاشين وأهل الرّيب والسوقة، وتنادى إليه السفلة والأفّاقون والأراذل والسّرّاق والمعتوهون وروّاد السجون وأبناء الشبهة والأوباش يهتفون ويتصايحون متوعّدين الرعيّة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وحضر المجلس جمع من أعوان الخليفة الهارب ومن أكلوا من موائده وأخذوا رشاه وحبروا الأقوال والمدونات في مدحه والثناء على حرمه المصون ومنهم المعروف بالأفطس والآخر المكنّى بالأعرج والثالث المدعوّ بالمزطول. وألقى فيهم العجوز الخرف خطبة عضدها بكلام الحكماء وأقوال العلماء فكان حاله كحال أبي نواس يرصّع خمريّاته بآيات من الذكر الحكيم. ولم يشأ من حضر من الأوباش أن ينفضّ جمعهم دون قرع الكؤوس وتبادل الأنخاب والشرب حتى الثمالة، فمالوا إلى حانوت بجوار المجلس وتدافعوا عليه تدافع الذباب على الجيف حتى صار الواحد منهم يتمايل في مشيته ويزهو زهوّ الملوك والأمراء ولسان حاله يقول: اليوم خمر وغدا أمر. بيد أن أهل الحاضرة خرجوا لهم منكرين عليهم مجونهم ومروقهم عن أعراف أهل البلاد، ففرّوا هاربين لا يلوون على شيء وتفرقوا شذرا مذرا، كفانا الله وإياكم شرور الأوباش وأصحاب الخمّارات !شذرا مذرا، كفانا الله وإياكم شرور الأوباش وأصحاب الخمّارات !


