كلنا نخطأ فهل كلنا نسامح؟

عندما نتحدث عن الخطأ فإننا نتحدث عن جبلة بشرية يكاد لا يخلو منها أحد إلا الذين اصطفاهم رب البرية عز وجل من أنبيائه المرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام، فعصمهم من الوقوع فيه لعظم الرسالة التي يحملونها وجليل المهمة التي ألقيت على كواهلهم في هداية البشر وإخراجهم من ظلمات الغفلة والتيه إلى نور البصيرة والرشاد.

والخطأ قد يكون في حق النفس، وقد يكون في حق الناس, وقد يكون في حق الله تعالى، وللأسف الشديد، فإننا قد نرى الشخص يُقيم الدنيا ولا يقعدها لو أخطأ أحد في حقه، وتراه لا يحرك ساكنا ولا يتمعر وجهه غضبا إذا كان الخطأ في جنب الله تعالى، وفي أحسن الحالات تراه يتغير وجهه على استحياء.


ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان قلبه الكبير والذي هو أوسع من هذا الكون الرحب، يسامح كل من اخطأ في حقه، وأما إذا انتهكت حرمة من محارم الله تعالى، وكان الخطأ بأمر من أمور الدين كان الغضب يحتل وجهه وقلبه الشريفين.

فكلنا نخطئ في حق أنفسنا وفي حق غيرنا ومن يدعي العصمة نقول له إن العصمة للأنبياء, ومن يريد العيش مع قوم مبرئين من الخطأ منزهين منه، نقول له اذهب إلى كوكب آخر لعل وعسى تجد ضالتك هناك لأنك ستقضي هنا عمرك باحثا.

فإذا كان الضعف والخطأ طبيعة تسري في بشريتنا، فهل نملك القدرة على العفو والتسامح أو الاعتراف بالخطأ والاعتذار؟ أم نعتبر ذلك من باب الضعف والهزيمة النفسية والمذلة؟!

إن العفو عند المقدرة من أعظم الأخلاق سموا ورفعة، إذ أن الشخص يسامح ويعفو عن الزلات ليس ضعفا منه ولا عجزا ولا ذلا، بل يفعل ذلك مع قدرته على الانتقام والأخذ بالثأر ممن ظلمه أو أخطا بحقه، فهو بذلك يمتلك قوة نفسية عظيمة تسامت عن الضعف البشري لترتقي إلى القمة السامقة من البناء النفسي القويم.

يقول تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين".

ويقول عز من قائل: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".

فالمسلم الذي تربت نفسه على مكارم الأخلاق وتزينت هذه النفس بالسماحة واللين بحيث إذا بدر من أحدهم ما يغضبه قال: هذا من عمل الشيطان وليس من عمل أخي، فتهدأ نفسه ولا تحمل على أخيه ليعيش مستريحا هادئ البال، ينام ويصحو وهو في طمأنينة وراحة يحسده عليها ملوك الأرض.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "يا ابن ادم ... إن بينك وبين الله تعالى خطايا وذنوبا لا يعلمها إلا هو، وانك تحب أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وان أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل... تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك".

ان العفو والتسامح دليل على كرم النفس وهو خلق الأقوياء الذين ملكوا زمام نفوسهم، ومن يستطيع مقابلة الإساءة بالإحسان إلا الأقوياء ذوو النفوس الشاهقة التي تربت وتخرجت من مدرسة التسامح والعفو التي أنشأها إمام المحسنين والكرماء سيدنا محمد  صلوات الله وسلامه عليه . 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...