القلق الأمريكي على تونس بعد الثورة وتطمينات حركة النهضة



رغم كل شيء ورغم الرسائل المطمئنة التي أرسلتها السلفية في تونس إلى كلّ المجتمع بمختلف تمفصلاته سياسيا و فكريا، إلا أن هذه الرسائل لم تجد سوى الصد ومزيدا من الإقصاء منذ الأيام الأولى للثورة وحتى الآن. ولعل الجميع يذكر ما حصل لبعض الشباب السلفي عندما وقف بجانب ثوار ليبيا في مخيمات اللجوء أثناء الثورة الليبية لما كانوا يساعدون المنكوبين فحولتهم وسائل الإعلام إلى خطر من خلال تصويرهم كإرهابيين يريدون صنع إمارة هناك في المخيمات!
ولم تتوقف الحملات في وسائل الإعلام وغيرها من وسائل الإقصاء ليس من الحياة السياسية فقط، بل أن الدعوة تواصلت إلى حد تصفيتهم بشكل صريح في بعض وسائل الإعلام.
لكن الأخطر من كل هذا هو دخول « آلة الفوبيا» الأمريكية و« قلقها » المعهود على شعوب المنطقة، وعلى مستقبل الديمقراطية الحديثة، على الخط، وكأنّها مهتمّة فعلا بمصير التّونسيين الذّين يعرفون جيّدا كم كانت الولايات المتّحدة والغرب، عموما، مخلصين تماما لصديقهم الجنرال الهارب بن علي، فقد أطلت الولايات المتحدة بدراسة تعيد إلى الأذهان صور التخويف وطرق أمريكا المعروفة في التصدي لأي فكر لا يتماشى مع رغبات الإمبراطورية المتعجرفة.

في سنة 2006 خرجت علينا مراكز البحث الأمريكية بدراسة مفادها أنّ الخلايا السلفية النائمة في شمال إفريقيا، و« خصوصا» في تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، هي الأخطر على أمريكا في تلك الفترة، وهو ما استدعى حملة مركّزة من طرف أنظمة هذه البلدان على كلّ الشباب السلفي وغير السلفي باعتبار أنّ الحملة في تونس شملت بعد أحداث « سليمان» كلّ التيّارات حتّى جماعة الدعوة والتبليغ.



وتسبّب الضغط الأمريكي على المخلوع بن علي، المرتهن لديها ولدى كلّ الغرب- في هجمة شرسة مارستها المخابرات التّونسيّة- شملت أكثر من 9 آلاف شابّ، في أقّل من خمسة أشهر، وما أشبه يوم الثورة في تونس بالأمس المظلم !!! فها هي مراكز الدراسات الأمريكية «العتيدة» تطلّ علينا بدراسة أخرى تغيّرت فيها الأمكنة والأزمنة، وترسّخت فيها الدعوة إلى الحرب ضدّ السلفية الجهادية في تونس، رغم إقرار الدراسة ذاتها بأنّ أنصار الشريعة في تونس لم يطرحوا مواجهة مسلّحة مع النظام التّونسي. إذ تقول الدراسة بكلّ صراحة: « فرغم أنّ أنصار الشريعة لم يتورّطوا في أعمال عنف إلاّ أنّهم يتعاطفون مع تنظيم القاعدة».

الدراسة لا تكتفي بوصفها « الموضوعي» بل تقدّم الحلول « لمواجهة هذا التهديد على حد تعبيرها ( نعني أنصار الشريعة) يجب على واشنطن النظر في التعاطي مع الحكومة التّونسية الجديدة بشأن جهود التدريب المثلى واجتثاث التطّرف»، نفس المنطق الذّي حكمت به واشنطن العالم لا يزال يحكم علاقتها بتونس الثورة، فهي وحدها من يقرّر ما هو التهديد؟ وهي من تبادر بطرح الحلول، وكأنّ الثورة مرّت في مجرّة أخرى.

ولعلّ الدراسة الأمريكية ليست الكارثة الوحيدة في سياق المثلّث « النهضاوي الامريكي والسلفي» ، فأوّل تصريح رسمي بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات؛ جاء على لسان رئيس الحكومة الحالي حمادي الجبالي كان بمثابة عقد « جديد - قديم» بين النظام في تونس والولايات المتحدّة الأمريكية إذ يقول في سياق حديث مطوّل عن روابط الصداقة بين بلده وأمريكا: و« ستشاركها الحرب على كلّ الآفات»!!! وهي ذات الكلمة. لكن الجبالي لم يرد أن يفسد نشوة التونسيين بثورتهم، ولم يقل « الحرب على الإرهاب»، ليذكر بسنوات الظلام التي مرت وبن علي يحارب شبابا آمن بالله، فكان قول بن علي: «السجن بالمرصاد»! فماذا سيكون قول الجبالي؟
راشد الغنوشي :حركة النهضة ليست متسامحة مع السلفيين

هي إذن؛ ذات الظروف والملابسات والأقوال. لم يتغيّر شيء تقريبا، سوى نسبة الضغط على السلفيين، التّي قلّت منذ هروب المخلوع، والأدّلة على بقاء دار لقمان على حالها كثيرة، نذكر منها: 

• المعلومات التّي استقتها المخابرات الأمريكية، والتّي ظهرت جليّة في هذه الدراسة، تبيّن بما لا يدعو للشكّ أن الفترة السابقة لم تشهد قطيعة بين المخابرات التّونسيّة ونظيرتها الأمريكية، إذ أن أدّق التفاصيل وصلت بالأسماء والأحياء السكنية وحتّى عنوان صفحة الفايس بوك.

• أوّل المسائل التّي أثيرت بعد سقوط بن علي هي السلفية، من خلال إثارة مسألة المساعدات التي يقدمها الشباب السلفي للمنكوبين على الحدود التونسية – الليبية، وهي كذلك أول المسائل التي أثيرت بعد الانتخابات، من خلال حادثة منع المنقبّة من الدراسة.

• ما يؤكدّه السلفيون وغيرهم من بقاء ذات المعاملة من طرف المخابرات، بل في مدن مثل القصرين وغيرها لا تزال نفس الشخصيات الاستخباراتية تلعب نفس الدور، رغم تورّطها حتّى في أعمال قتل ثوّار في ذات المدينة، هذا دون الحديث عن القيادات التّي لا تزال تلعب نفس الدور، بل يراد لها أن تلعب أدوارا أكثر في المراحل القادمة.

ولعلّ الأدّلة كثيرة على ذلك، ولكن الأخطر منه، وحتّى من التحريض الأمريكي، هو ذاك التحريض الذّي تمارسه مصادر معلومات الاستخبارات الأمريكية، ونعني بذلك المخابرات التونسيّة وأجهزتها، التّي تتعمّد إعطاء معلومات مغلوطة للأمريكيين. وذكرت الدراسة نماذج كثيرة، منها هذا المقتطف من الدراسة، والذّي يدّعي أن السلفيين خطفوا عميد كلّية الآداب بمنوبة: « غير أن تصرفات مثل مهاجمة الطلاب العلمانيين وأخذ عميد جامعة منوبة رهينة في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب منعه الحجاب إنما تشير إلى أن سلفيي تونس أخذوا يصبحون أكثر صفاقة في محاولاتهم لتغيير البلاد».




بعد ذهاب الدراسة بعيدا في التأويلات والأكاذيب؛ تقرّ بما ما تعودت عليه واشنطن من ابتزاز، لتقول إن مدى تعاون « النهضة» في قمع السلفيين هو مقياس قدرة الحزب على التحول إلى حزب متفتح!!! فتذكر الدراسة: « بالنسبة لواشنطن يقدم هذا التحدي فرصة للتعاطي مع تونس في مجالات الأمن، واجتثاث التطرف في سياق دولة عربية ديمقراطية. كما يقدم أيضاً مقياساً جيداً لتحديد مدى استعداد وقدرة حزب النهضة على التحول إلى حزب سياسي إسلامي معتدل حقا». هذا هو الخطاب الأمريكي فهل ستقدم « النهضة» خطابا مخالفا لخطاب بن علي؟




قدر تونس أن تلاحقها المؤامرات ما لم يرض عنها اليهود والنصارى ومن والاهم من ذوي الجاه والسلطان الأكبر من أبنائها المتسلطين قديما وحديثا. قد يقبل المرء بتواطؤ أصحاب الإيديولوجيات الغربية من يمين ويسارلكن ما لا يقبل به العقل السليم أن يتعاون الإسلاميون الوافدون إلى السلطة حديثا مع أعداء الأمة وأعدائهم لقد تجلّى خواء الحكّام الجدد في إدارة الشأن العام وافتضحت إدّعاءاتهم الإصلاحية القائمة على مخافة الله وإتباع سنّة رسوله الكريم لم تكن مجريات الأحداث عفوية بل كان مخططا لها بكل دقة وعناية داخل معاهد الدراسات الإستراتيجية في أمريكا بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية في تنسيق وتناغم مع حلفائهم الجدد من قيادات الأحزاب الإسلامية التي سمحت لها الثورات العربية بالخروج من السجون وأعادتها إلى بلدانها من وراء البحار بمنحهم العفو التشريعي العام بموافقة صهيو- أورو – أمريكية حقيقة تاريخية تؤكدها الزيارات المكوكية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاجتماعات السريةالماراتونية التي جمعت ممثلي التيارات الإسلامية في 
تونس بالمسؤولين الأمريكان لتقديم التنازلات والضمانات والتطمينات لأعداء الأمس/حليف اليوم.


2 commentaires:

c'est trés dangereux ça !!

 

السّلفويّون –التونسيّون- في وضعهم العامّ هم أصيلوا البلاد التونسية والتيار السلفي هو واقع لا يمكن بأيّة حال إنكاره أو إقصاءه أو حتّى محاصرته ، أتباعه هم تونسيّون يشاركوننا الوطن و يقاسموننا العيش عليه و لهم فيه ما لنا ، هم يمثّلون كتلة من الشعب – أحبّ من أحبّ و كره من كره – هؤلاء السّلفيون قد يحملون ما لا يروق للبعض منّا أو يأتون أفعالا لا يتقبّلها هذا البعض ، لكن ليس هذا هو المشكل الذي تُبطنه الحملات الشعواء عليهم و التهم التي تُلصق بهم جُزافا و أثبت الواقع غالبا براءتهم منها ، بل أصل كلّ هذا العداء هو عداء خفيّ للإسلام و كره لتعاليمه و شِرعته و هذه العداوة لا يمكن المجاهرة بها أمام الشعب المسلم و لا يمكن تمريرها في هذه البلاد العريقة الدّيانة و الهويّة ، و لا سبيل إلى تنفيذ أجنداتهم التي تبشّر بالحداثة و العلمانية إلاّ جعل السلفيين كبش الفداء خصوصا إذا كانت القوى الدّولية تصبّ في ذات الإتّجاه ...

 

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...