رسالة إلى حكامنا العرب:اخبرونا مما تخافون؟


رسالة إلى حكامنا العرب مع تحيات مواطن من الشعب
انني على قناعة تامة بأن حكامنا العرب - مثلهم مثل شعوبهم - يلعنون اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية مائة مرة (
سراً) عندما يخلون بأنفسهم، وتئن

وتتوجع قلوبهم (سراً) - ايضاً - وهم يشاهدون ما يحدث للشعب الفلسطيني. فهم بشر وهم مسلمون، ويجري في عروقهم ميراث اجدادهم الذين يعجبون ويتباهون - دوماً بتاريخهم ومواقفهم. ولكنهم - مع كل ذلك - لا يستطيعون الجهر بما يعتقدون ويتمنون!! لماذا؟! ما الذي يخيفهم؟ أيخافون زوال السلطان؟! أيخافون الموت؟! ألا يعلمون ان السلطة - مهما عظمت - فهي الى زوال ونهاية، وان الموت عاقبة كل حي مهما طال به العمر؟! وماذا عن سيرتهم بين شعوبهم بعد زوال السلطة أو انقضاء الأجل المحتوم؟! لماذا يعرف الناس الخلفاء الراشدين ودقائق سيرهم ويدعون (لهم) من فوق المنابر وقد تباعد بهم العهد؟ ولماذا يتحدث الناس بإعجاب وفخر عن عظمائهم من القادة والعلماء، بينما لا يكادون يذكرون غيرهم، وان ذكروهم لا يذكرونهم إلا بالدعاء (عليهم)؟
اسأل أي مسلم عن خلفاء بني أمي فلا يذكر لك منهم (بالخير) إلا عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن مروان! واسأل أيهم عن خلفاء بني العباس فلا يكاد يعبر ذاكرته إلا هارون الرشيد والمأمون! والفرنسيون لا يبرز من تاريخهم إلا نابليون (قديماً) وشارل ديجول (حديثاً). والبريطانيون لا يربطون تاريخهم المعاصر إلا بونستون تشرشل من بين كل رؤساء وزاراتهم! لماذا تستبقى الشعوب في ذاكرتها أسماءً (محدودةً) من حكامها وقادتها الفكريين وترفعهم الى مقامات (الملائكة الاطهار) بينما تُسقط من ذات الذاكرة الجمعية أسماء (كُثراً) وتضعهم - اذا ذكرتهم - في أسافل (الرعاع والسوقة)؟! أليس القائد بسيرته بين شعبه هو الذي يحدد مقامه بين الرفعة والانحطاط؟ ب ولكن مواقف الحكام هي التي تقف (أحياناً كثيرة) دون تفجر طاقات الشعوب واندفاعها من أجل التغيير واحقاق الحق.

وتجربة اليوم التي نعيشها مع احداث غزة والعراق وافغانستان والشيشان وعديد الاحداث الاخرى التي هزت الضمير الانساني كله من أقصاه إلى أقصاه، تعتبر خير نموذج للفارق الكبير والخطير بين (انفعال) شعوبنا العربية وبين (برود) حكامنا العرب! فبينما خرجت مظاهرات الاستنكار الغاضبة ضد الصلف اليهودي والاستهتار الامريكي من كل شعوب العالم عربية واسلامية بل واوربية وآسيوية بل حتى في داخل الولايات المتحدة ذاتها، تميزت تصريحات قادتنا العرب (المرجئة الجدد) بالبرود الذي لا يشمل موقفاً (رجولياً) واحداً يمكن ان يحسب لهم: إلا باستثناء موقف الرئيس عمر البشير الذي طالب بإغلاق السفارات الاسرائيلية الموجودة ببعض البلدان العربية! فبعد مرور خمسة ايام كاملة من الحرب الاسرائيلية ضد غزة والتي اجتمع مجلس وزراء الجامعة العربية (المكون من وزراء الخارجية) ليصدر بياناً يطالب فيه مجلس الأمن بالتدخل وكأن المجلس كان في انتظار طلبهم هذا! وعند تلك الساعة مساء الاربعاء31/12/2008م - كان عدد الضحايا قد بلغ 394 بينما تجاوز عدد الجرحى الألفين! أما ما هو الموقف العربي ، فإنه في انتظار (القمة الطارئة) التي لم يتم تحديد موعدها - أو حتى مبدأ قيامها - بعد!! والشهداء يتساقطون يومياً بالمئات والبنية التحتية تتحطم تحت قصف الطيران الاسرائيلي بينما تقف الدبابات عند الحدود في انتظار الاجتياح البري!! ومع كل ذلك يظل حكامنا العرب يكتفون بإرسال (رجاءاتهم) الى اسرائيل بإيقاف العدوان!! أيعقل هذا يا حكامنا؟! أيعقل ان تكون بعض دول الاتحاد الاوروبي اسرع استجابةً منكم لاغاثة الفلسطينيين وهم يبادون على مرمى حجر منكم؟! أيعقل ان لا تزال بعض دولكم تأوى سفراء اسرائيل وبعثاتها الدبلوماسية؟! أيعقل ان تكون بعض دولكم لا تزال تواصل علاقاتها التجارية والسياحية مع الدولة الصهيونية؟! ألا يستطيع (المعتدلون) - من أصدقاء الولايات المتحدة - أن يرسلوا مبعوثين في ذات يوم العدوان - على فرض انهم قد فوجئوا به فعلاً - الى الولايات المتحدة ومجلس الأمن (للضغط السياسي) عليهما وهم يعلمون (تماماً) انه لولا (التأييد المطلق) من الولايات المتحدة و(التقاعس المحسوب) من مجلس الامن لما تجرأت اسرائيل على شن هذه (الحرب) ولا اقول (العدوان)؟! ألم تكن كل دلائل الحصار وقفل المعابر - حتى تجاه بعض الدول العربية - والتجويع الذي استمر عاماً كاملاً، ألم تكن تلك مؤشرات تقود الى ان يحاول الفلسطينيون (فك الحصار) بالوسيلة الوحيدة التي بقيت تحت أيديهم وهي (الصواريخ) ليتخذ ذلك ذريعةً لشن حرب الابادة الشاملة؟!! ألا يعلم حكامنا العرب ان الفلسطينيين قد وُضعوا - منذ عام - بين خيارين لا ثالث لهما، إما الموت جوعاً ومرضاً تحت الحصار، أو الموت تحت آلات الحرب والدمار الاسرائيلية؟!!
ما هي الادوار التي قامت بها اجهزة استخباراتكم قبل شن الحرب وما تلك التي قامت بها وزارات خارجيتكم ووزارات دفاعكم وسفاراتكم ومناديبكم بالهيئات الدولية حتى تجنب غزة هذا المصير المفجع الذي كانت كل الطرق تؤدي إليه؟! ماذا كنتم تقولون في شأن المشكل الفلسطيني بعد ان انقطعت غزة عن العالم وأنتم تتباحثون مع كونداليزا رايس ومبعوثي الرئيس الامريكي للمنطقة، بل ووزيرة الخارجية الاسرائيلية التي كانت في زيارة لمصر قبل يوم واحد فقط من اندلاع الحرب واشارت (ضمناً) الى نية اسرائيل المبيتة في الهجوم على غزة؟!! هل أردتم أنتم - كما أراد الاسرائيليون والامريكيون - القضاء على حماس بحكم تصنيفها كقوة (ارهابية) كما سبق لهم السعي للقضاء على حزب الله في جنوب لبنان؟!
يا حكامنا العرب، ممّ تخافون؟!
ان أنتم خائفون على سلطانكم فإنه لم يعد هنالك شعب ينازعكم هذا السلطان رغم ان غالبكم وصل الى السلطة من دون اختيار شعبي. فقد توقفت الشعوب العربية عن اشعال الثورات ضد حكامهم منذ زمان بعيد، كما توقفت الجيوش - ومن وراءها - عن الانقلاب عليكم!! فقد أدركت الشعوب العربية - بحكم التجارب - ان الديمقراطية والعسكرية والملكية - بعالمنا الثالث - سواءٌ في الفساد والقهر السياسيين! والشعوب بطبعها لا مصلحة لها في ان يحكم فلان أو علان، وانما همها كله في البحث عن العدالة والعيش الكريم، وكل الشواهد تدل على ان هذه توفرت في بلدان (الملكية الوراثية) اكثر من بلدان (الديمقراطية الانتخابية)! فلا شعب اليوم يطالب بتغيير حكوماته في دول الخليج أو مصر أو السودان أو بلدان الهلال الخصيب والشمال الافريقي!! أما أصوات (القلة) من دعاة الديمقراطية في هذه البلدان فهم - في غالبهم - من بقايا اليسار الذين لا يؤمنون (أصلاً) بالديمقراطية لا فكراً ولا تاريخاً، أو من بقايا الولاء الطائفي الذي كادت تغرب شمسه وتتجاوزه المرحلة. وكلاهما أصبحا لا يمتلكان القدرة على التغيير العسكري - كما ألفا ذلك من قبل في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان -!! ولذا لم يعودا يملكان غير حيلة العاجز التي لا تتجاوز الخطابة فوق المنابر أو الكتابة في الصحائف!! فلا يخيفنكم ضجيجهم فإن الطبول كثيرة الضوضاء رغم جوفائيتها!! ولذا نحسب ان سلطانكم ما عاد يتهدده إلا اثنان: الولايات المتحدة الامريكية. كما فعلت بالعراق وأفغانستان - أو رب العزة الذي ينزع الملك والحياة معاً بالأجل المحتوم الذي لا وقاية ولا مفر منه! وبما أنكم لا (تأبهون) بالموت ولا تنتظرونه: فهل يكون خوفكم من تآمر الولايات المتحدة هو الذي نزع من قلوبكم قيمتي (الصدق مع النفس) و(الشجاعة في الموقف)، فأصبحتم لا تستطيعون استنكار ورفض ما يجري من ابادة للفلسطينيين إلا (سرا)؟! أهذا هو السبب...؟!!
ولكننا نذكركم يا حكامنا.. وانتم تقرأون التاريخ - بالتساؤل عن من هو الحاكم الذي شكلت الولايات المتحدة درعا لحماية نظامه من السقوط وفاء لولائه لها؟! ما الذي حلّ بشاه ايران عندما كسب امريكا وخسر شعبه؟ ما الذي حل بماركوس في الفلبين ؟ وما مصير نوريغا؟ ان الولايات المتحدة، كدولة ذات استراتيجيات ثابتة، لا تأبه لحياة وبقاء سلطان احد او موته وزواله، فكلهم احجار في رقعة الشطرنج الامريكية!
ولذلك عندما تتقمص احدهم حالة من (الإحساس الوطني او القومي) فإنه حالما يجري اسقاطه من السلطة او اسقاطه من الحياة! ولا تبقى في ذاكرة شعوبهم منهم إلا اصحاب المواقف التي تنم عن الشجاعة والصدق مع النفس ومع الله ومع الناس.
ولذا لا يتملككم (الوهم) بأن سلطانكم في امان ما دمتم (تشايعون) الولايات المتحدة في مواقفها - سلبا او ايجابا- حتى ولو كان ذلك في ابادة شعب عربي كالفلسطينيين! فسيأتي (حتما) دور شعوبكم بعد ان دارت الدائرة على فلسطين، وامتدت الى العراق وافغانستان، ويتم التحرش بإيران، وتعد (الجولة القادمة) للسودان عبر بوابة دارفور بعد ان اغلقت (الحكمة) بوابة جنوب السودان! ان كل دولة عربية لها جيب ونفق تُعد من خلاله خطة غزوها الصهيو - امريكي ، فلا يأمنن احد غدرهما!! إن غزة تشكل معبرا للدولة اليهودية الى مصر، كما تشكل الجولان المدخل الى سوريا ، ويُعد مسرح دارفور الآن لتتسرب الحركة الصهيونية من خلاله الى السودان، كما تنتظر اسرائيل فرصة سانحة اخرى.. بعد القضاء على حماس جنوبا - للقضاء على حزب الله شمالا حتى تعبر من جنوب لبنان الى شماله، ومن سوريا تزحف نحو العراق!! وهكذا يتحقق الحلم الاسرائيلي بدولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات !! لا تسخروا يا سادتي، فهذا مخطط (عقائدي) يدعمه اليمين المسيحي الامريكي الذي يصل تعداد شعبيته ما يتجاوز الاربعين مليونا كما تقول الكاتبة غريس هالسل ! ولذا فهم مستعدون لتدمير كل من يقف في طريق وصولهم اليه! ألا ترون كيف (استثمرت) اسرائيل واليمين المسيحي المسيطر على حكومة جورج بوش مشروع (الحرب على الارهاب) بالدرجة التي اقنعت به كل الدول العربية (درجات متفاوتة) ولذا لم تقف دولة عربية واحدة منذ غزو
العراق وجنوب لبنان وها هو ذا المشهد يتكرر في غزة بحسبان انها كلها حروب ضد (الارهابيين؟! ان (وهم السلام) مع اسرائيل - الذي يتحدث به بعض حكام التهدئة - هو (قميص عثمان) الذي تتاجر به الولايات المتحدة واسرائيل في سوق النخاسة الدولية، وتحت غطائه يجري تسليح اسرائيل (حتى الاسنان) بكل اسلحة الدمار النووية والجرثومية والغازية ، بينما تُحرم من ابحاثها وانتاجها كل الدول المجاورة عربية او غير عربية ما دامت تُصنف في خانة الدول (المارقة) او الشعب (المارق) ! إنهم يضربون الشعوب ويشردونها حتى لا تقوى على الوقوف في وجه هذا المخطط الإجرامي، ويقطعون الرباط (الوطني والقومي) بين الشعوب وحكوماتها! ولذلك اقول لكم (سراً) يبدو ان خبراءكم ومجالسكم النيابية وجماهير (الولاء الحزبي والعشائري) لم تطلعكم عليه.. ان امريكا واسرائيل والدول الاستكبارية عموما، لا تحترم وتتعامل (بعدالة) الا مع حكومة يقف شعبها من خلفها (وقوف جهاد وتضحية لا شعارات وهتافات) سواء كانت حكومة منتخبة او منقلبة او وارثة، فليس المهم في عرفهم (كيف تأتي الحكومة) ولكن المقياس هو (ما نوع علاقها بشعبها)؟! فإن احترمت الحكومات شعوبها (بعدالة) وسعت في حسن توظيف مواردها استثمارات وخدمات ورفاهية ، وحاربت الفساد المالي والادري والسياسي، وامنت شعبها ضد مخاطر الفقر والمرض والجوع والخوف، وسعت في اكرامه تعليما وكفالة وظيفية ومهنية وحماية اجتماعية، ان فعلت الحكومة ذلك وكسبت رضا وثقة شعبها، هناك فقط (ترتعد) وتخاف الولايات المتحدة واسرائيل ودول الغرب الاستكبارية وتحسب للدولة حسابا لأنها (تعلم) - من تجاربها التاريخية - ان الشعب يلتف حول الحكومة التي هكذا صنيعها ويدافع عنها ويموت في سبيل تأمينها وبقائها! فلا تُقهر دولة وراءها شعبها.. ولا يعيش حاكم يخسر ثقة وولاء شعبه مهما أوتي من اجهزة امن وقمع او حسب انه بمأمن تحت مظلة الحماية الدولية!! فعندما تنهزم الجيوش الرسمية - كما تدل وقائع التاريخ - تتولى المقاومة الشعبية تحقيق النصر ضد الغزاة ! وهذا هو الذي تخشاه الولايات المتحدة واسرائيل! وهو عين الذي يحدث الآن في العراق وافغانستان وغزة، وكما حدث من قبل في جنوب لنبان!!
وحسبنا ان نأخذ درسي الختام لتقدير الشعوب لحكامها وقياداتها من موقف الشعب العراقي من مقتل صدام حسين الذي اذاقهم القهر والاستبداد طوال نظام حكمه البعثي.. ولكنهم غفروا له كل اخطاء الماضي عندما وقف في لحظة (صدق ورجولة وشجاعة) وهو يقاتل الغزو الامريكي الانجليزي الصهيوني الذي اجتاح بلاده ولم يذل ويخضع قط حتى في لحظة محاكمته واعدامه! فحفظت له (الشعوب) العربية كلها هذا الموقف الذي اتسم بصفتي (الصدق والشجاعة) رغم كل ما فعل بشعبه طوال حياته! فإن لم يكن قد اعطى شعبه (الحرية السياسية) فقد اعطاهم (الكرامة الوطنية). اما الدرس الثاني - وقد جاءنا من ارض الرافدين ايضا - فقد كان بطله صحافي لا يملك جماهير ولا سلطة، ولم يسمع به احد من قبل، ولكنه في لحظة واحدة - ولدقائق معدودة - عبّر منتظر الزيدي عن اشواق وغضب وهمّامة بكاملها بمجرد ان قذف طاغية القرن العشرين بالحذاء الذي شكل اهانة معنوية وسياسية وإعلامية لأعتى دولة استعمارية في العالم! فأيقظ هذا الحدث المحدود (كرامة) الأمة كلها وأذلّ (استكبار) دولة الطغيان التي شردت شعب فلسطين وأهلكت الشعب العراقي ودمرت الأمن في افغانستان وأهدرت كرامة الانسان في معتقلات التعذيب وهددت كل العالم الثالث!!
ان مواقف (الصدق والشجاعة) - يا حكامنا - هي التي تصنع الرجال والقادة والزعماء، لا قوة الأمن والسلطة والاستنجاد بدول الطغيان، وهي التي يحفظها الشعب لزعمائه ويدافع عنهم لأنهم يحفظونها للشعب، فإن المراهنة على (الشعوب) هي الأبقى لسلطانكم ملكيين كنتم أم جمهوريين أم انقلابيين. وهذا هو الطريق الوحيد حتى لا تأكلكم (وشعوبكم) يوماً الصهيو-امريكية كما تأكل الآن (الثور الأبيض)!! فالدفاع عن فلسطين هو دفاع عن وجودكم ووجود الأمة ومستقبلها، وزوالها ايذاناً بزوال دولكم وشعوبكم!
فاعلنوا - يا حكامنا - اليوم وليس غداً، وحتى قبل اجتماعكم المزمع، ما نعلم أنكم (تُسرونه) حتى يتوافق مع ما (أعلنته) شعوبكم.


تحيات مواطن

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...