رسالة من سنية الى شيعية


المقدمــة:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين.. وبعد:
إليكِ أيتها الأخت العاقلة.. أيتها الفتاة الراشدة.. أيتها المؤمنة بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والمتخذة شرعة الإسلام منهجاً وسلوكاً قويماً..
إليكِ أختاه! أكتب هذه الكلمات التي بثثت فيها شيئاً من أشجاني، وكتبتها إليكِ من مكنون قلبي.. مدادُها حبي ووفائي، وورقها صفحات قلبكِ الناصعة؛ أملاً أن تنتقش عليه أحرفي، وترتسم فيه كلماتي؛ فقد عهدتك صادقة الود معي.. طاهرة الجنان تُجاهي..
أُختاه! عرفتكِ أثناء دراستي معكِ باحثةً عن الحق..
عهدتكِ نابهةً عاقلة لا تقبلين غير كتاب الله، وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً، ولا تبغين عنهما تحويلاً.
أُختي الغالية: إني أكتبُ إليكِ هذه الأسطر وكلي أملٌ أن تقع كلماتي موقعها الصحيح في زاوية قلبك الكبير؛ لتقفي معي موقف المصارحة.. مصارحة الحبيب لمن يحب، وما أجمل إن رأيتِ مني خطأً أن تُسدديه، وإن رأيتُ عليكِ شائنةً أن أُبيِّنها لكِ! فالمؤمنة مرآة لأختها المؤمنة: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:71].
ما أجمل المصارحة! وما أجمل أن أكتب لكِ مشاعري نحوكِ! هذا في الود والصفاء، فكيف بالعقيدة والدين؟!
لا شك أن الأمر آكد وأوثق، ووالله وبالله وتالله من أجل هذا كتبت، فقد رأيتكِ في عموم الكلام تجهرين، وعن الدين والمعتقد تُمسكين وتهمسين!! لِم أختاه؟ أليس هو الدين الحق الذي يجب علينا إظهاره والاعتزاز بالانتساب إليه؟!!
نعم أختاه: وصل الحال إلى هذا.. تخيلي!!
والآن أستأذنك في قراءة رسالتي هذه، عسى أن تكون قنديلاً يضيء ليذكركِ تلك الجلسات على بوابات الكلية وأقبيتها وأفنيتها، وفي مدرجاتها وصالاتها، فكم كنتِ تسترين عني وتُخفين.. وها أنا الآن أجهر لكِ بأحرفي وكلماتي سائلة الله العلي القدير أن يفتح عليَّ وعليكِ بالحق وهو خير الفاتحين، قال جلّ في عُلاه: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى)) [طه:82].

أختكم المحبة المخلصة

3) الوقفة الأولى:-

- التفكر بالعقل وأهميته:
أختي الفاضلة: مما لا شك فيه أن للعقل مكانة عالية، ولا غرو فقد وردت مادته في القرآن تسعاً وخمسين مرة كلها يفيد أن انتفاء العقل مذمة وكماله مدح.. هذه سوى ذكر مرادفاته، كالألباب والأحلام والحجر؛ وذكر أعماله، كالتفكر والتذكر والتدبر والنظر والاعتبار والفقه والعلم؛ فهذه الأعمال العقلية لا تكاد تخلو من ذكرها سورة من كتاب الله تعالى، ويرد ذكرها على أنها أوصاف مدح وكمال للمتصف بها، وأن انتفاءها أو نقصانها مذمة شرعية.
وهذا يدل على رفع الإسلام من شأن العقل وتكريمه له واحتفائه به، كيف لا وقد جعله مناطاً للتكليف وشرطاً لقيام الحجة؟!
كما يدل على عناية الإسلام الفائقة بمكانة العقل، محاربته وتحريمه لكل ما من شأنه أن يُعطله أو يضعفه كالخمر وما في حكمه؛ أو يحول بينه وبين أدائه لوظيفته التي خلقه الله من أجلها، كالتقليد الأعمى، واتباع الهوى، والتعصب لغير الحق. كما حرّم ما ينافيه من الأوهام الباطلة والخرافات، كالتشاؤم والكهانة والسحر والشعوذة وما جرى مجرى ذلك.
أختاه! لو نظرتِ نطرة سريعة وإطلالة عابرة في آيات كتاب الله فإنكِ ستجدين ما ذكرناه آنفاً مجسداً بيناً واضحاً، اقرئي معي قوله سبحانه عن الكفار في نار جهنم وهم ينفون عن أنفسهم العقل بعد دخولهم النار: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) [الملك:10].
وقال سبحانه مبكتاً من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [البقرة:44].
أختاه! لقد أردف الله تعالى بعد قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)) [البقرة:170].
أردفها بقوله سبحانه: ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [البقرة:171].
أختي! الآية واضحة بينة المحجة لمن تدبرها، ولقد بين سبحانه سبب معاندة المشركين ورفضهم الحق واتخاذه هزواً ولعباً، فقال عز وجل: ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:58].
وبيَّن الله حال الذين كفروا وكذبهم على الله تعالى بنفي العقل عن أكثرهم، فقال سبحانه: ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].
أيتها الأخت العاقلة: إن الله تبارك وتعالى جعل عقاب من لا يعقل -وهو أهل لذلك- أن يجعل عليه عذاباً، إذ إنه استحب الضلالة على الهداية وتعامى وتغافل وعطل عقله وتفكيره، فقال جل شأنه: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [يونس:100] بل الله جل في علاه خص تفصيل آياته لمن يعقل ويعي الخطاب، فقال: ((كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [الروم:28].
أخيراً أختاه: تأملي نهي الله هذا ثم انتهي! قال جل شأنه: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [الأنفال:21-22].
وتذكري قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال:24-25].

4) الوقفة الثانية:-
- التوحيـــد أولاً:
أخيتي الغالية: لا شك أنك قد اطلعتِ على صفحاتٍ من كتب المذهب عندكم.. ولكن هل وجدتِ التوحيد الذي قرره القرآن الكريم أم وجدتِ غير ذلك؟
دعيني أخية أذكر لك بعض ما وجدته أنا فيها.. ولن أُطيل بل سأكتفي بذكر أنموذجين فقط!!
مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب (3/35) الفردوس، طاووس، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خبر: (يا بن عباس! والذي بعثني بالحق نبياً إن النار لأشد غضباً على مبغضي علي منها على من زعم أن لله ولداً).
جاء في كتاب عيون أخبار الرضا (1/287): حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السلام: (أبلغ شيعتنا أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام ابنه: ألف حجة؟! قال: إي والله، ألف ألف حجة لمن زاره عارفاً بحقه).
فالرواية الأولى: هدمت كل معاني التوحيد والفطرة في قلب كل مؤمن! وعليٌ وبنوه رضوان الله عليهم في غنىً عن هذا الغلو المفضي إلى الإشراك بالله تعالى وتقدس.
والرواية الثانية: هدمت مقدسات الله ومعانيها السامية، وتوحيد الله في أعمال وأقوال المؤمن لتصرفه إلى تقديس قبور الأولياء والصالحين والحج إليها من دون شعائر الله، والله يقول: ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)) [الحج:22].
نعم.. إنكِ في القرآن تجدين سورة للحج ولا تجدين فيه سورة للقبور والمشاهد!!
أختاه! تذكري حال الأمة قبل مبعث إمام الموحدين عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لقد كانوا في جاهلية جهلاء وظلمات ظلماء، وتيه في مفازات الهلاك، وانغماس في جهالات الضلال! عقائد متهافتة.. فذاك يعبد إلهاً من حجارة، وآخر يصنعه بيده من العجوة!! يدعون غير الله، ويأتمرون بأوامر الشيطان زيّن لهم أعمالهم!
ومن أوساط هذا الزخم الشركي وهذه الظلمات: يخرج الله دعوة الحق على أيدي أنبيائه عليهم السلام بنداء عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36].
والتوحيد -أختاه- هو الغاية من الخلق، وعليه نصب الله الجنة والنار، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] أي: ليوحدون، فجعل الله جلّ في عُلاه سر الخلق وسببه هو العبودية لله وحده لا شريك له، فهذا نداء الله لأصفيائه الكرام الذين اختارهم الله لحمل رسالاته يناديهم ويصفهم بهذا الوصف الدال على التوحيد الخالص وهو العبودية لله تعالى، فيقول سبحانه: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)) [الإسراء:1].
وقال جلّ شأنه: ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ)) [ص:45].
وقال عن سليمان عليه السلام: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) [ص:44].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)) [مريم:65].
وقال عن ملائكته: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26].
أرأيتِ -أخيتي الغالية- كيف هي منزلة العبودية وحصرُها لله جلّ في عُلاه؟ فهي معنى لا إله إلا الله التي أفادت النفي والإثبات.. نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها حصراً لله وحده.. فكان معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.
فالعبادة هي: الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يحبها الله ويرضاها؛ والظاهر من الأعمال كالدعاء والذبح، والباطن من الأعمال كالخوف والرجاء والاستغاثة والتوكل.. وغيرها من العبادات العظيمة التي لا يجوز صرف شيءٍ منها إلا لله مع الإخلاص والبعد عن الرياء، قال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:3].
وقال عز وجل: ((فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)) [الزمر:2].
وقال تعالى: ((هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:65].
فأين من يدعو غير الله من الأموات والأحياء عن هذا في كتاب الله؟ أليس بعد هذا إلا الضلال المبين؟ قال سبحانه: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].
وقال تعالى: ((يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)) [الحج:12].
فإن قال قائل جاهل بالتوحيد مُتلبس ببدعة الشرك: إنما أوردَ هنا في عبادة غير الله من الأصنام والحجارة؛ أما نحن فندعو من يسمع ويقرب إلى الله، مع كون أصل العبادة لله!
قلنا له: هذا كلامٌ غير رشيد! ألم تقرأ وتتمعن في كتاب الله جل وعلا؟
ألم تعلم أن النهي عن دعاء غير الله جاء صريحاً على وجه العموم والتوضيح الصريح، فقال تعالى: ((فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18].
وكلمة (أَحَداً) نكرة، ومعلوم عند العلماء العقلاء أهل العربية أن النكرة إذا جاءت في سياق النفي أو النهي لا تفيد إلا العموم، قال جل شأنه: ((قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر:66].
كما أن الله عز وجل أنكر على المشركين التوسط بالأولياء والصالحين موضحاً أنهم عباد أمثالهم لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر! فضلاً أن يكشفوا عنهم ضراً أو يحوّلوا عنهم سوءاً!! بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء لرحمته، قال تعالى في شأن الأنبياء والملائكة والصالحين: ((قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
فهل هؤلاء أصنام؟
وقال سبحانه: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر:3].
فما أشبه الليلة بالبارحة! فإن عامة الناس اليوم إذا أمرتهم بإخلاص الدعاء والعبادة لله وحده وترك دعاء الأولياء والصالحين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!!
فهذا -أختاه- بيان قد أبان لكل ذي بصر وعقل أن دعاء غير الله الواحد الأحد منافٍ لدين الإسلام وهو عين الشرك برب العالمين، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)) [الجن:20].
وقال سبحانه: ((وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [القصص:87]
وقال تعالى: ((ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا)) [غافر:12].
فما هو مشهد هؤلاء المشركين عندما تتجلى الأمور يوم الدين؟
اقرئي معي قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ)) [النحل:86].
ثم أتبع ذلك بتبرئهم من شركهم؛ فيقول سبحانه عنهم: ((تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ)) [القصص:63].
فيا حسرة من أشرك بالله معه غيره يومئذٍ! وصدق الله العظيم: ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)) [الأعراف:37].
أخيتي: ماذا عن واقعنا الذي نعيشه الآن؟ هل يُحقق فيه إخلاص التوحيد لله تعالى؟
فهذه عند المصيبة تندب وتصرخ بدعاء غير الله؛ فتقول: يا فاطمة! يا زهراء! يا معصومة!
وهذه عند الولادة تدعو علياً وكأنه معها ويسمعها!
وهذه كادت أن تتعثر، فتقول: يا علي!
وهذه تُعبّدُ أسماء أبنائها لغير الله؛ فتسمي: عبد الحسين! وعبد الزهراء! وعبد الرضا!
أُختاه: هل هذا من التوحيد؟ والسؤال هنا: إذا أصابك الكرب.. هل يقدر الله على كشفه أم لا يقدر؟ وهل يعلم حالكِ ويسمع صوتك ويجيب صرختكِ أم لا؟ فكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62].
فالله هو القريب المجيب، وغيره لا يسمع ولا يجيب: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186].
فتأملي معي قوله سبحانه: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)) [الرعد:14]، وقوله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)) [الزمر:38].
ومن يدعو من دون الله من الأموات، ألم يقرأ قوله تعالى: ((وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)) [فاطر:14] وقوله عز وجل: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5] وقوله جلَّ شأنه: ((وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ)) [القصص:64] وقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)) [الأعراف:197].
أختاه: هل يستوي الأحياء والأموات؟
أجاب الله عز وجل عن ذلك بقوله: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22] وبقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النحل:20-21].
وهذه الآيات البينات تكشف أختاه شبهة من يقول من أهل الإشراك: إن هذه الآيات هي في الحجارة والأصنام بالذات!! فهل الحجارة تُبعث من القبور؟! فإن هذه الحجارة إنما هي تماثيل الصالحين وصورهم، وفي قولـه تعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23] دليلٌ واضح على ذلك؛ فهؤلاء أُناسٌ صالحون لما ماتوا جاء الشيطان بهذا الشرك لقوم نوح فمثلوا تماثيل بصورهم وعبدوهم من دون الله!!
تأملي معي رعاكِ الله هذه الآيات، قال الله تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188] وقال تعالى: ((وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً)) [المائدة:41] وقال تعالى عن الأولياء: ((فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)) [الإسراء:56] وقال سبحانه: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)) [فاطر:13].
بل اقرئي الآيات التي بيَّن الله عز وجل فيها الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن الدعاء لا يكون إلا للخالق، كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)) [النحل:20]
وفي هذا إشارة إلى أن الذي لا يخلق شيئاً وهو مخلوق، لا ينبغي دعاؤه حتى لو كان نبياً أو ولياً أو صالحاً، وإنما ينبغي دعاء الخالق الذي لم يُخلق وهو الله سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه مشيراً إلى دعاء رب العباد وترك دعاء العباد أيَّاً كانوا: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)) [الأعراف:194].
وهذا يدلكِ دلالة واضحة على أن الشرع إنما يأمر بدعاء الله وحده، وهذا هو المنهج القرآني وسبيل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبعد:
فقد حرّم الله الجنة على المشركين حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد، قال تبارك وتعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة:72].
وكتب على أهله أن لا يغفر الله لهم إذا ماتوا عليه، فقال عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)) [النساء:48].
فحذارِ حذارِ أُختي الغالية من هذا الذنب الكبير والظلم العظيم: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13].
طهِّري قلبكِ من علائق الشرك ودنس العبودية لغير الله، ومحبة الله إنما هي باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وتعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31].
وإياكِ إياكِ أن تكوني في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء الذين يقولون عن حسرة الاقتداء: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23].
وعليكِ غاليتي بالقرآن الكريم، والنور المُبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، هل ترين فيه قبور أنبياء وأولياء؟ هل ترين دعاء غير الله؟ هل ترين الحث على المزارات والعكوف عندها؟ هل ترين طلب الحاجات من الأولياء؟ هل ترين الاستغاثة بالمعصومة وبزينب وبالحسين و.. و...
فيا صاحبة العقل الكبير: ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار؛ قال تعالى وهو أرحم الراحمين: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:68-70].
فبادري بالتوبة من الشرك والبدع والتوجه لغير الله.
عجلي بتوحيد الله.. فلا غفران مع الشرك، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48]
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)) [الطلاق:2-3].

- وقفة تأمل:
أختاه! تأملي في الآيات الآتية؛ ورددي تلاوتها، وتدبري في معانيها.
قال الله تعالى: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)) [الأنبياء:98].
((لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ)) [الأنبياء:99].
((لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ)) [الأنبياء:100].
((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101].
((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ)) [الأنبياء:102].
أختاه! من هم الذين سبقت لهم الحسنى؟
أختاه! هنا ذكر الله حقائق ثابتة بنص القرآن، والواقع يشهد أن طوائف من البشر تعبد الأنبياء والصالحين! تعبدهم من دون الله ومع الله عز وجل، وقد حكم الله سبحانه بدخول من أشرك به النار مع آلهته المزعومة، ولما كان في المعبودين من لا يرضى أن يعبد مع الله وينهى عن الشرك كله.. وهم أئمة التوحيد الداعين إليه: بَيَّن الله سبحانه نجاتهم وإبعادهم عن النار، وهؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى.
أختاه! الآيات صريحة الدلالة! فأين التدبر لمعانيها؟!
علينا أن نسأل الله التوفيق والسداد وأن يهدينا سبيل الرشاد.

5) الوقفة الثالثة:-
- حالنا مع القرآن الكريم:
أختاه: لقد أكرمنا الله تعالى بأن جعلنا من أُمةِ أفضلِ الأنبياء والمرسلين، وأكرمنا بإنزال خير كُتبه في العالمين، وخصَّنا من بين الأمم بذلك؛ قال سبحانه وتعالى: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [المائدة:15-16].
إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، فهو شفاءٌ لما في الصدور، والحَكم العدل عند شبهات الأمور، وهو الكلام الجزل، وهو الفصل ليس بالهزل، سِراجٌ لا يخبو ضوءه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره، بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل منقول، بهر حُسن ارتباط أواخره بأوائله، وأعجزت بديع إشاراته وعجيب انتقالاته، من قصصٍ باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال سائرة، ومواقع تَعجُّبٍ واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجيةً بسط، وإن كان تخويفاً قبض، وإن كان وعداً أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة رأف، وإن كان ترغيباً شوّق، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنىً وأعذب أسلوب؛ فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكُّره.
أختاه! إن هذا القرآن أنزله الله ليكون منهج حياة؛ هي خير حياة وأسعدها، ومرشداً إلى سبيل هي أقوم سبيل وأنجحها: ((فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
أُخيتي: كلام ربنا بين أيدينا نزّهه الله عن الخطأ والزلل، وجعله فصلاً في كل زمان ومكان: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
فبهِ اتضح سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، فهـو الضياء والنور، وفيه الشفاء لما في الصدور؛ من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فاز، جعــل الله فيـه وبـه الهداية لمن شـاء من عباده المتقين: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:1-2].
أختي الغالية: لقد وعد الله سبحانه أن يحفظ كتابه من عبث العابثين، وتحريف الغالين؛ قال جلّ في عُلاه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف؛ استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة، فهذا -أُختاه- ما أراده الله عز وجل من إنزال كتابه، أن نأتمر بأمره، وننتهي عند نهيه، ونصدق أخباره وما فيه من الإخبار بالغيب، ونتعظ ونعتبر من قصص الأمم الماضية، لا لنتخذه ظهرياً؛ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص:29].. ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24].
أُختاه! إن القرآن الكريم منهج حياة ودستور ونظام وشريعة الله إلى أهل الأرض، قضى أن لا يحتكموا إلا إليه، وأمر أن لا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يُعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق ومن الغرب.. فهو الحكم العدل، كما قال سبحانه: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50].
وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً)) [النساء:60-62]
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)) [النساء:63]
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)) [النساء:64]
((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
إن الله قد جمع الهداية والفلاح في هذا الكتاب الكريم، فقال سبحانه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) [الإسراء:9].
ففيه الشفاء: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)) [فصلت:44].
إن آيات هذا الكتاب العظيم والسراج المنير قد أثرت في قلوب المشركين؛ وقلبتها من شركٍ إلى توحيد، ومن عصيان وطغيان إلى طاعة وعبادة؛ فهذا أحدهم يسمع النبي عليه الصلاة والسلام يتلو عند الكعبة آيات مما أوحى الله إليه، فيقول: (والله ما سمعتُ قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه) فأثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن. وهذا رجل آخر كان جباراً في الجاهلية شديداً على المسلمين يومئذٍ، فلمّا سمع قوله تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) [طه:1-2] إلى قوله عز وجل: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:14] كسّرتْ تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: (ما ينبغي لمن يقول هذا أن يُعبد معه غيره) فأصبح ذلك الرجل إذا سار في فجٍ سار الشيطان من فجٍ آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أُختاه! ألم تتفكري وتتدبري في جامعة القرآن! كيف أخرجت جيلاً مُميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جمعاء؟
إنه جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ هذا العدد النقي الصالح الذي لم يجتمع مثله بعد ذلك في مكانٍ واحد، وليس السبب في تجمعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قائم فحسب! ولكن ثمة سببٌ آخر: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، فكانوا يتلون القرآن للعمل به في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المتمثلة في العمل به، وانظري مثال ذلك في حادثة (تحريم الخمر) من كُتب التفسير.
أما بعد.. أُختي الفاضلة:
فهذا الدستور الخالد منذ يومه الأول وهو آخذ بروعته عقول الناس، مؤمنهم وكافرهم، فقد خضعت له أعناق كُبراء الجاهلية وأسيادهم، وطأطأتْ له رءوس البلاغة والأدب..، شهادة إكبار وقول حق واعتبار، قام له العالم كله ولم يقعد هيبة لمطلعه النوراني، فهو كلام رب الأرباب، الآخذ بالقلوب والألباب.. المهيمن على جميع الكتب.. المُنزل على خير الرسل.. المشرِع لخير الأمم؛ ولا غرو فقد شهد له بذلك الكافر! ونحن في غنى عن شهادته، فراجعي -أُختي- ما كتبه علماء الغرب والشرق في كتاب الله، وانظري على سبيل المثال كتاب: (قالوا عن الإسلام، لـعماد خليل) لَتَريْ ما يهولكِ من اعترافات بصدق هذا الكتاب الخالد وقوةتأثيره وصداه عندهم!
ولكن أُختاه: ما حال مذهبكِ مع هذا القرآن العظيم؟
غاليتي: ليس غرضي من هذا السؤال التفرقة الطائفية! أو الفتنة المذهبية! أو من أجل التدليس الفردي! كلا والله، بل الأمر كلمات خرجت من القلب لتصل إلى القلب، ولتري نفسكِ -أُختاه- ومكانكِ تجاه كتاب الله تعالى؛ فتأخذي بيدي وآخذ بيدك لنحقق الوحدة الإسلامية المنشودة، انطلاقاً من كتاب الله تعالى أصل الأصول ودستور الحياة الخالد.
تعلمين -أختاه- ويعلم كل مسلم دور الحكومات الإسلامية في العالم واهتمامها بطباعة المصحف الشريف، ودور جامعاتها ومعاهدها ومدارسها بالعناية به، ولا يخفاكِ مسابقات القرآن الكريم العالمية، وحلقات التحفيظ الخاصة به، كل ذلك اهتماماً بكلام الله تعالى وتقدس، علاوة على إنشاء مؤسسات خاصة تشجع طباعته ودراسته وحفظه وتلاوته وتفسيره، ولنأخذ مثالاً وهو: الجامع الأزهر الشريف، بل الكلام عنه وعن اهتمامه بالقرآن قد يعتبر لغواً من الكلام! فهو غني عن التعريف، إنه جامع الأزهر، منارة القرآن وجامعة الحفاظ.. وقد خرَّج مئات الألوف من حفظة كتاب الله الذين علموا الدنيا كلها كيف يُرتل كتاب الله، وقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمةً لكتاب الله.
أما الدراسات التي تخدم القرآن وتُدافع عنه فهي أكثر من أن تُذكر، ويكفي أن تطلعي على فِهرس الدراسات العليا للأزهر؛ لتري ما يُذهلكِ! وأما جامعات المملكة وتونس وسوريا والمغرب ودول الخليج، وبقية دول العالم الإسلامي فهي غير خافية.
ولكن أُختي: ما هو الدور الذي أدَّاه مذهبك واعتقده علماؤه ومفكروه تجاه القرآن الكريم؟؟ وحتى أكون بعيدة عن الظلم والاستبداد، وقريبة من المصداقية والعدل، سأوثق كلامي وأحيله إلى مصدر مطلع على الأمور، لا على جاهل شاذ أحمل كلامه وأُعممه على الجميع، وسأسند نقلي إلى مؤسسات علمية دينية معتمدة، لا على أفراد قد يكونون مقصرين.

- وعلى ما سبق أقول والله المستعان:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران في كتابه: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام، ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير، فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو "درجة الاجتهاد" من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء، هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). المرجع: [ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، ص:109].
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!! لماذا هكذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن). [نفس المرجع: ص110].
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: (فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن). [نفس المرجع: ص111].
ويقول آية الله الخامنئي: (إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية، وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل، وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع:ص110].
ومما تقدم نقول مستفهمين: كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن، ولو على مستوى التلاوة؟!! كيف يدرس الطالب من بداية دراسته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!!
وبعد هذا النقل أُختاه: ألم تتساءلي في نفسكِ عن سبب عدم اهتمام الشيعة بالقرآن؟
وفي الجواب الفادحة الكبرى والرزيَّة العظمى!! إنهم يرون أن هذا القرآن اليوم ليس هو الذي أُنزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل هو مُحرَّف ومبدَّل ومغيَّر زِيَد فيه وأُنقص منه!! وأستغفر الله من هذا الاعتقاد الذي لا يقبله المسلم مهما كانت عقيدته ومذهبه!
نعم أُختاه: هذه الحقيقة التي ربما أن كثيرات منكن لا يعلمن عنها شيئاً!! أو إنهن يعلمن ولكنهن لا يردن أن يُصدِّقنَ! لهول هذا المعتقد الذي يهدم الثقل الأكبر ويُنهي معالمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل يعقل أن يهتم الكفرة بكتاب ربنا، ونقول نحن: إنه كتابٌ محرف؟؟
والآن إلى توثيق كلامي هذا من مصادرهم ومراجعهم المعتمدة وأقوال أكابر علماء الشيعة الثقات عندهم -والله المستعان-.
يقول الطبرسي: (1/377-378) في كتاب الاحتجاج: (ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرِّف وبدِّل وما يجري في هذا المجال لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي: (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به.. إلى غير ذلك).
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول [الجزء الثاني عشر، ص:525] أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم (سبعة عشر ألف آية)، قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ.
ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام، فيقول في الأنوار أيضاً: (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة! فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيَّروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا؛ كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم، كما سيأتي بيانه في نور القرآن).
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره: [مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36]: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لَمّا أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه، إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
قال النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
قال المفيد في أوائل المقالات: [(ص:9)، دار الكتاب الإسلامي بيروت]: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب: [مشارق الشموس الدرية: (ص:126)] بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
وغيرها كثير جداً تركتها خشية الإثقال عليكِ بما لا تُحبين أن تسمعي عنه!!
أختي الغالية: أرأيتِ؟ فأنا لم أتهم أحداً، ولم أتقوّل على أحدٍ. حاشا وكلا. بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومُحدثيهم أصحاب الشأن، ودوري فقط هو النقل لبعض ما وجدته من كلام، ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد الذي بمجرد عرضه يتبين لكِ يا صاحبة النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا؟ والله عز وجل يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه، وتقول هذه العقيدة: بل ضَيَّع وما حفظ!! والله عز وجل يقول: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب!!
فسبحان الله! كيف وصل بهم الهوى إلى هذا الدرك البعيد، ولكن حق عليهم قول المولى سبحانه وتعالى عن القرآن: ((وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)) [الحاقة:48-52].
أختي: كم والله تعجبني تلك الفتاة التي أعملتْ فكرها بنفسها، وخلت مع كتاب ربها بعقلها، وتدبرت وتأملت بذاتها، واتّبَعت ما تبين لها أنه الصواب.
ولنستعن بالله ولنرفع أكفنا إليه ولنقُلْ: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.


6) الوقفة الرابعة:-
- نساء لسن كالنساء:
نعم أختاه: إنهن نساء ولكنهن لسن كالنساء الأخريات، إنهنَّ نلنَّ شرفاً وتشريفاً بالغاً عظيماً، وشأناً ومكانةً كبيرةً.
نعم.. إنهنَّ تميزنَّ عن نساء العالمين، اختارهن الله واصطفاهن ليكُنَّ زوجات لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وصرن بذلك أفضل وأكمل من غيرهن، ولسن كسائر النساء، بل أحسن وأطيب وأكمل، قال تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ)) [الأحزاب:32].
فبزواج النبي صلى الله عليه وسلم منهن نلن تلك الفضيلة، وتبوأن تلك الدرجة السامية الباسقة الرفيعة، التي لم تتحقق لأحدٍ من النساء غيرهن رضي الله عنهن.
أخيتي: إن الكلام عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطول ويفوح عطراً وشذا، ولكن لن أطلق العنان لقلمي، ويا له من جامح هنا، ولكني سأقتصر على مسألة لطالما كدرت أخواتي الكريمات العاقلات، ويا لها من مسألة تصك الأسماع، وتؤذي المؤمنين! ولكن لا بد من التعرض لها لتعلمي -أخية- أني لا أتجنى وأتقوَّل على أحد، ولكنها الحقيقة المرة!
لا يخفى عليكِ هنا معتقد الشيعة في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخص منهن رضوان الله عليهن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر.
فأقول: وقف الشيعة موقفاً شاذاً منحرفاً تجاه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الطاهرات المطهرات الطيبات المكرمات.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك المواقف مع مراعاة الاختصار:
لا أظنكِ -أخية- يخفى عليكِ الدعاء المسمى بدعاء صنمي قريش، وهو موجود في عدد من كتب الشيعة الموثوقة، ويدعون به إلى وقتنا الحاضر، وفيه: (اللهم... والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما...) إلخ.
ويقول المجلسي في كتابه: [حق اليقين، (ص:519)]: (وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة..، ومن النساء الأربع -وذكر منهن عائشة وحفصة-...).
وذكر هو كذلك في عين الحياة (ص:599) أن جعفراً الصادق -وحاشاه- كان يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعة من النساء.. يسميهم، وعائشة وحفصة.. إلخ.
ويزعمون كما في كتاب الصراط المستقيم [للبياضي (3/168)] (أن عائشة وحفصة تآمرتا على أن يسما رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهكذا قال المجلسي في كتابه حياة القلوب (2/700): (إن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم دبرتاه).
وذكر العياشي في تفسيره [2/269]: (أن التي ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92] هي عائشة نقضت إيمانها) أي: أنها ارتدت.
وقد جاء في كتب كثيرة من كتب علماء الشيعة تكفير عائشة وحفصة زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهما بأبشع وأقبح الأوصاف.
فهذا البياضي في كتابه الصراط المستقيم (3/161) يعقد فصلين خاصين في عائشة وحفصة، وسمى الأول: فصل في أم الشرور، يعني: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويلقبها فيه بالشيطانة، والفصل الآخر: في أختها حفصة.
وهذا الكلام القبيح ذكرني بإحدى الأخوات من المعلمات الفاضلات اللاتي دَرَّسنَ في مدارس الشيعة، فتقول: "في حجرة الرسم أحضرتُ للطالبات رسومات وكان من بينها صور لحشرات -ذباب- فإذا بطالبات في الخلف يهمسن ثم يرتفع صوتهن بالضحك، وبعد التحقق من أمرهن وجدت أنهن يقلدن أهلهن في تسمية عائشة المصونة أم المؤمنين زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أم الذبان)!! وذلك حسب إفادتهن هداهن الله".
فهل هذا يوافق ما جاء في القرآن الكريم من مكانتهن وعظيم شرفهن؟!
فتأملي معي أختاه: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد خيرهن بين البقاء في هذه المنزلة، وهي شرف الاقتران به في الدنيا والآخرة، وإن قلَّ العيش في الدنيا وضاق الرزق، وبين متاع الدنيا الزائل وزينتها، فلم يردن شيئاً غير البقاء معه صلى الله عليه وآله وسلم، وآثرن ذلك على الدنيا ومتاعها وزينتها، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
فلم يخترن رضي الله عنهن غير الله ورسوله والدار الآخرة، وكن خير زوجات لخير زوج مؤمنات قانتات عابدات صالحات، فآتاهن الله أجرهن مرتين، وأعد الله لهن الرزق الكريم، والثواب الجزيل المضاعف، قال الله تعالى: ((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)) [الأحزاب:31]
وعندما نتأمل قول الله تبارك وتعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] نعلم عظيم قـدر أزواج النبـي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الطيب المطيب، ونساؤه الطيبات، بل هو عليه الصلاة والسلام خير الطيبين وأفضلهم، ونساؤه خير الطيبات وأفضلهن، ولم يكن الله ليختار لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا خير النساء وأفضلهن.
وتأملي معي -أخية- الإضافة في قوله تعالى: ((وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ففيها لطائف جمة وإشارات إلى فوائد كثيرة لا يعقلها إلا العالمون:
منها: أن العاقل مهما أساءت أمه فإنه يتحملها ويصبر عليها، ومنها: استمرارية ذكر الأم بهذا الاسم، والإمساك عن هفواتها وعيوبها -إن كانت- فهي (أُم) ووصفهن بالأمهات لمن؟ (للمؤمنين) شرف وأيما شرف لهن رضي الله عنهن، لا سيما وأن الله أخبر عن ذلك بلفظ (الأزواج) المشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفرداً وجمعاً كقوله تعالى لآدم: ((آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35].
وقال تعالى في حق زكريا: ((وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)) [الأنبياء:90].
وقال تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6] ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) [الأحزاب:1].
وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)) [الأحزاب:28-29].
وجاء الإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة، قال تعالى:
((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)) [المسد:1-5].
وقال تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10]
تأملي لما كانتا مشركتين أوقع عليها اسم المرأة.
وقال في فرعون: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11].
لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجاً له، وقال سبحانه في حق المؤمنين: ((وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)) [البقرة:25] فكان عدم ذكر الأزواج في حق الكافرات؛ لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة، فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح ولوط.
فإن قيل: فلم قال الله عن زكريا عليه السلام: ((وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً)) [مريم:8] وعـن إبراهيم عليه السلام: ((فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ...)) [الذاريات:29]؟
قلنا: قد أجاب أهل البيان واللغة والفهم في القرآن، فقالوا: بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع؛ لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجة!
فتأملي معي -أخية- رعاكِ الله هذه المعاني تجديها أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر، وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقاً لهذا المعنى، فتأملي ثم تأملي في أسرار هذا الكتاب العظيم.
وتأملي معي -أخية- في آية التطهير من كتاب الله، التي قصَّر علماء الشيعة في بيانها لعوامهم؛ وما ذاك إلا لعلمهم بالبعد الكبير بينهم وبين القرآن وآياته الكريمات، فدخول أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيها واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
تأملي سياق الآيات والخطاب الموجه من بدايته حتى نهايته.
قال الله تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) [الأحزاب:32-34].
فالذي يتدبر سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، بل من يدقق في الآيات سيجد بنفسه أن قوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)) [الأحزاب:33] وقوله جلَّ شأنه: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] آية واحدة…
والخطاب فيها كما هو واضح موجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
ودائماً وأبداً تجد الشيعة يقتطعون هذا الجزء من الآية، وهو قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] دون أن يأتوا بالآية كاملة، لماذا؟ هل يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض...؟!
لماذا الشيعة لا يتدبرون القرآن الكريم، ولا يتمعنون باللغة العربية، والقرآن الكريم إنما نزل بلسان عربي مبين...؟!
أختي الغالية وفقكِ الله وسددكِ: لن أكتب لك هنا كلمة واحدة حول مآثرهن وما جاء في فضلهن وخصائصهن رضوان الله عليهن، وإنما أحيلك إلى كتاب الله وصحيح سنة نبيه عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ففيهما الكفاية والرشاد والهداية والعصمة من الغواية لمن أراد التوفيق والسداد وحكَّم عقله ولم يعره لغيره!!


7) الوقفة الخامسة:-
- هل المرأة أُلعوبة:
أخية: أنا وأنتِ نعلم كيف أباح الشيعة لأنفسهم (نكاح المتعة) وتوسعوا فيه ووصلوا به إلى سُبلٍ ليست من الإسلام في شيء وأخالك لا تخفاك قصص الفتيات اللاتي تحدثن معك بصورة أو أخرى حول الممارسات الشاذة هنا وهناك!! ونحنُ النساء نكره بطبعنا ما يخدش حياءنا أو يهز عفتنا، وقد وقف شعري واقشعر جسدي عندما قرأت في كتاب الشيعة المُعتمد الكافي (5/539) نقلهم عن الإمام قوله: (إنما المرأة أُلعوبةُ الرجلِ)!!
فهل تَعِين غاليتي معنى هذا القول؟
فالمرأة لا تعني لهؤلاء سوى أنها لعبة؛ يُقلبها كيف يشاء على أي وجه كانت، ويضع شهوته في أي موضع منها!
فقد أُبيح له ذلك! آه آه أيتها المسكينة، كيف يصل بكِ هؤلاء إلى هذه الوحشية وهذه الصورة المنحطة في العلاقات الجنسية؟!
ولم يقف بهم الحال إلى هذا فقط! بل إنهم يُجيزون التمتع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنين أو سبعاً! على رواية، بشرط عدم الإدخال في الفرج، لِمَ؟ كراهية العيب على أهلها! لا مراعاة لذوق أو خلق أو دين!!
وأدهى من هذا أخية: الخميني يبيح التمتع بالبنت الرضيعة، يقول الخميني في كتابه تحرير الوسيلة [(1/241) مسألة رقم: (12)]: (وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة)!!
ثم تخيلي -يا غاليتي- أن هذه البنت هي أنتِ أو ابنتكِ أو أختكِ أو قريبتكِ؛ فهل ترضين لها أن يُفعل بها هكذا؛ من أجل قضاء شهوة جامحة؟ لا والله، إني أجدكِ أشرف وأعف من هذا؛ بل إن الموت أهون عليكِ من مجرد التفكير في ممارسة هذا الفعل القذر الممجوج، ثم اقرئي معي بعين الباحث عن الحق والصواب لا الذي يبحث عن شهوته ومتعته الرخيصة فقط، عندما تقرئين في كتب الشيعة هذه الأسطورة المنسوبة زوراً وبُهتاً إلى أئمة آل البيت: (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له)!! [الاستبصار: (3/243)].
ذكر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار: عن عبد الله بن أبي يعفور قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت..) [الاستبصار: (3/243)].
ثم يأتي عالمهم الكبير الخميني فيبيح وطء الزوجة في الدبر: يقول الخميني في: [تحرير الوسيلة: (1/241)، مسألة رقم: (11)]: (المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة)!
ووالله إن القلم ليكسِف، وإن البيان ليخسِف هنا؛ حياءً وتقززاً من هذه الأقوال النشاز.
أما عندنا أهل السنة والجماعة فإن مثل هذا الأمر المشين أطلق عليه علماؤنا (اللواطة) تشنيعاً له وتنفيراً منه، وقد جاء حكمه عندنا كما يلي:
قال الله عز وجل: ((نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) [البقرة:223].
إن الله عز وجل أذن بإتيان مقام الحرث وهو الفرج، ولم يأذن بإتيان مقام الفرث وهو الدبر، وقال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)) [البقرة:222] في هذه الآية منع الله عز وجل الأزواج من إتيان النساء في الفرج عند الحيض مع أنه لا يدوم إلا بضعة أيام، فكيف يكون إتيان الدبر جائزاً مع دوام وجود النجاسة فيه؟
وأيضاً يبين في الآية أن الممنوع من الإتيان هو الفرج فقط وليس الدبر؛ لأن الحيضة متعلقة بالفرج فقط، أما الدبر فحاله كما كان قبل الحيضة، فلو كان جائزاً إتيانه قبل الحيضة فلا مانع الآن أيضاً.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضاً، أو أتى امرأته في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأة في دبرها). صححه الألباني.
هذا فضلاً عما يترتب على هذا العمل القبيح من أضرار صحية أثبتها الطب الحديث، ومن إساءة للعلاقة الاجتماعية بين الزوجين، حيث لا يرضى بذلك ذو سلوك سويّ.
اللهم جنبنا الفواحش والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمين..
فهذا هو الحق المبين والطهر والعفاف الموافق للفطرة السليمة، أما ما أباحه علماء الشيعة فعلاوة على أنه مخالف للكتاب والسنة، فإنه انحطاط في الأخلاق والعياذ بالله.
أُختي: هل ترضى إحدانا أن تبيع وتعرض جسدها مقابل دراهم معدودة؟ كلا ثم كلا..
أختاه: إني لا أفتري كذباً ولا أبالغ في كلامي، فإليكِ هذه الروايات في اعتبار المتمتع بها كالمستأجرة!! فقد كذبوا على جعفر الصادق رحمه الله بأنه قال: (تزوج منهن ألفاً فإنهن مستأجرات)!! ورووا عن الباقر أنه قال: (إنما هي مستأجرة)، ورووا عن أبي عبد الله أنه قال: (ليست هي من الأربع؛ إنما هي إجارة)!
أُختاه: ماذا بعد هذا إلا الشذوذ وإهانة المرأة التي كرمها الإسلام، والبعد عن الذوق السليم، فضلاً عن الشرع الحكيم. فهل تصدقين -أخية- أن أمثال هذه الشهوانية خرجت من مشكاة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأي غيور يرضى بمثل هذا لعرضه؟
أُختاه: أنا أعلم أنكِ لا ترضين بمثل هذه الإباحية، ولربما أنكِ لم تري مثل هذه الروايات الهابطة في غير هذه الرسالة!! ولكن ما هو دوركِ بعدما اطَّلعتِ عليها؟ هل ستقفين موقف المتفرجة حتى تقع عليكِ أو على أختكِ أو ابنتكِ؟ وهل سيقبل رجلٌ حرٌ عاقلٌ بفتاةٍ لها هذا التاريخ من المخازي؛ تتنقل بين أحضان الرجال هذا يستدبرها! وهذا يستقبلها؟!!
أخية: أستميحكِ عذراً وحياءً وخجلاً أن أنقل إليكِ فتاوى بعض علماء ومراجع الشيعة المعاصرين!! حول المتعة المُبتذلة، فوالله إني أُصبتُ بالغثيان والكآبة عندما اطلعت على بعضها؛ ولا أريد أن أخفي عليكِ اطلاعي على كتاب [المتعة] للكاتبة الشيعية:
د/ شهلاء الحائري، وهي حفيدة آية الله حائري، وهي دراسة أكاديمية ميدانية موثقة.. ولم أحب أن أنقل لك ما فيه من مقابلات مذهلة مع الفتيات حول ممارساتهن للمتعة وابتذال أعراضهن للساقطين من الرجال، ومن حسنِ خُلقي معكِ ولطف معاشرتي لكِ فإني لا أحب أن تُصابي بما لَحِقَني من حالة بائسة!
ويكفيكِ أن تعلمي أخية أنّ عالم الشيعة الطوسي يعترف بأن المتعة ذل وعار على المرأة!! فقد جاء في كتابه تهذيب الأحكام: (7/253) قوله:
أما ما رواه أحمد بن محمد عن أبي الحسن عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تتمتع بالمؤمنة فتذلها. فهذا حديث مقطوع الإسناد شاذ، ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف فإنه لا يجوز التمتع بها لما يلحق أهلها من العار ويلحقها هي من الذل ويكون ذلك مكروهاً دون أن يكون محظوراً) ا.هـ
أقول: فإذا كانت المتعة حلالاً ومن القربات إلى الله فكيف أصبحت عاراً وذلاً على أهل المرأة؟!! وهل يعدّك هذا الشيخ من (أهل بيت الشرف) أم يراكِ شيئاً آخر؟!
وأترك التعليق لكُنَّ أيتها العاقلات.


8) الوقفة السادسة:-
- رسـائل تقطر دمـاً:
نعم أُختاه: إنها رسائل كُتبت بالمداد على الورق، ولكنها صِيغتْ بقطرات دموعِ، وإن شِئتِ فقولي: بقطراتِ دمٍ، كُتبت على صفحات قلب مكلوم!! تنكَّر له أقرب قريب! وصدّه عن مبتغاه أعزُّ عزيز!
نعم أخيتي الغالية: جاءتني رسائل عدة من أخوات كريمات وقر نور الإيمان في قلوبهن فعشنَ أياماً وليالي من التفكير الحر بعقلٍ حاضر وقلب واعٍ، جعلن كتاب الله تعالى هو الحكم والفيصل، فتحررنَّ من قيود التقليد، وظلمة التبعية، وجمعنَ أقفال العقل والجمود، وكل كلام ليس عليه من الله برهان ثم أحرقنها ليصنعنَ منها مشعلاً يسرن به بين الناس: ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [الحديد:12].
وعلمن أن الحق مع هذا المشعل المضيء بنور كتاب الله وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، مستلهمات من الله وحده الثبات على الهداية، والتلذذ بلذة الإيمان والاستئناس بوحدة الطاعات، والصلوات في ظلمة الليل والخلوات، اعتدن وتعودنَ في هذه الساعات مناجاة رب البريات وسؤاله العفو والصفح عن أوقات ضاعت في غير الهداية والدعوة إليها، ضاعت ما بين خوف ووجل وحياءٍ وتسويل الشيطان وترهيبه، والمقارنات غير المنطقية.
فالأمر أن هؤلاء مرجعهم القرآن وسنة المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام، والدليل الصحيح الصريح هو مرجعهم في الأصول والفروع.
وأما أولئكَ فدليلهم كل ما نقل عن الإمام المعصوم على أي طريقة كان النقل! من غير معرفة لصحيح من غيره، وعليه يجب التسليم بهذه الروايات وإلا الكفر! فرووا كذباً عن المعصوم قوله: (الراد على الإمام كالراد على النبي، والراد على النبي كالراد على الله...).
أُختاه: إن قليلاً من التفكير والتأمل والانطراح بين يدي الله وسؤاله الهداية والتوفيق كفيلٌ بأن يغير الحال ويبدلها من ظلمات إلى نور؛ ومن همٍّ وكدر إلى سعادة وصفاء؛ وإنما هي الخطوة الأولى في مشوار الهداية.
أختي الغالية: لا تحسبي وأنتِ تُقدمين على هذه الطريق أنكِ الوحيدة السائرة في دروبه السالكة للججه، بل معكِ أخوات كثيرات قريبات، ولكن منعتهنّ ظروفهنّ من التصدر والإعلان! والله يعلم السر وأخفى، وإن مع العسر يسراً، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، أراد الله لهنَّ ذلك بتقدير سابق وقضاء نافذ..
إن الأخوات اللاتي يعشن هذه المرحلة لم يجدن بُداً من الإمساك بالقلم ليسطرنَ لنا كلمات نيرات خرجت من القلب لتصل إلى القلب مباشرة وبدون مقدمات، وهؤلاء الأخوات جمعهنَّ حب الدين الحق فعرفن القرآن ومعانيه، وأيقنّ بالتوحيد ومراميه، وآمنَّ بالدليل من الوحيين، ولم يبغين عنهما حولاً!! مع أن ظروفهن مختلفة وأنماط حياتهن متغايرة؛ فهذه من أسرة صغيرة فقيرة، وهذه جامعية، وتلك طالبة في الثانوية، وهذه ربة منزل، وتلك طبيبة أو ممرضة!!
ولله درُّ المعلمات الفاضلات فهنّ بيت القصيد ومنبع الهداية.. ولا عجب ألبتة: فهن عقول ناطقة، وعواطف ثابتة، اِمْتَهنَّ أشرف المهن؛ مهنة التربية والتعليم، وتنقلن هنا وهناك بعيداً وقريباً، ورأين الكذب من الصدق!! وعرفن أن الخبر ليس كالمعاينة! ولملكتهنّ الناصعة استطعن شق طريق الهداية بلا مشقة، بل بقليل من النظر في كتاب الله، والاطلاع على رسائل أهل السنة الصغيرة التي توزع في كل مكان.
فهذه المعلمة الفاضلة (زهرة) جلست في أحد المستشفيات وبجوارها رف كتيبات، فأخذت بصورة عفوية كُتيباً بعنوان: العقيدة الصحيحة وما يضادها فكانت بداية الهداية والتوفيق.
وهذه المعلمة النابهة (ع.م) أهدتها إحدى طالباتها كتيباً صغيراً بعنوان: عقيدة أهل السنة والجماعة فقرأته عدة مرات، ولمست الحق واتبعته بلا تردد.
وهذه إحدى المعلمات وجدت في حقيبتها شريطاً، فاستمعت إليه فكان سبيلها إلى الهداية واعتناق الحق والدعوة إليه.. وغيرهن كثيرٌ وكثير لا نعلمهن، ولكن الله يعلمهن.
أختي الغالية: إن ما تمرين به قد كان لكِ فيه سلفٌ من الصدر الأول، فكثير من الصحابة والصحابيات قد مروا بما تمرين به، وما منعهم ذلك عن ترك الإشراك بالله وأهله، والدخول في الإسلام، ومِنْ ثَمَّ ثباتٌ كثبات الجبال، حالهم في الدنيا: ((تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29] وفي الآخرة: ((لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [المائدة:119].
وهنا أتذكر كلمات خطتها أنامل أختٍ لنا هداها الله تعالى إلى الحق، فتقول: (كنت أشبه بمن يعيش على ضفاف نهر عذب صافٍ ولديَّ ماء قد نقله آبائي وأجدادي من ذلك النهر، وتغير مع الزمن، ووقعت فيه شوائب كثيرة حتى أصبح وليس له من الماء إلا اسمه؛ فلونه أسود متغير، وطعمه وشكله آسن، يدل على أي شيء إلا الماء، ثم إنهم يقدسونه ويسمونه: ماء الكوثر، وماء الحياة، وماء الخلود!! ويعتبرون النهر العذب الزلال الذي هو الأصل: نهر الهلاك ووادي جهنم!! ثم بعد اكتشافي الحق من الباطل عكفت على الماء المتغير طعمه وريحه أنوح وأبكي؛ يكاد يقتلني الظمأ وأتمنى من كل قلبي تنقيته وتصفيته -ولا يزال الكلام لها- فتقول: ارحمي نفسكِ وأسرعي في اتخاذ القرار؛ فالموت أقرب إليكِ من حبل الوريد، فالأمر لم يعَد سراً ولم يعد هناك ظاهرٌ وباطن!! ((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [الأعلى:17].. ((وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [طه:131].
أُختاه: أنا أعلم مدى الحزن الذي تمرين به، وكآبة اللوعة والهجران، ولكن أختاه: إنها حلاوة الإيمان، فوالله ما إن تخالط بشاشة الإيمان قلبكِ إلا وتحسين بالسعادة الحقيقية حينئذٍ؛ ولو كنتِ في سجن ضيّق، عندها تذهب المرارة والحزن وتُبدّل قوة وعزيمة.
أُختاه: إن معظم الشيعيات قد أخذن المذهب عن طريق الوراثة، فلم يُقارنَّ بين مذهبهن هذا وبين كتاب الله تعالى ليرين ما في مذهبهن من الشرك والغلو وإهانة المرأة باسم المتعة! والتمسح بالقبور ودعاء غير الله وطلب الشفاء من الأموات!! فهل هذا هو الإسلام الصحيح الحق الذي أرسل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؟؟
وإليكِ مثالاً واحداً فقط على ما أقوله، فهذه إحدى الفتيات الشيعيات العاقلات تناقش أستاذاً لها في الجامعة.
يقول الأستاذ: بينما كنت منهمكاً في إعداد إحدى المحاضرات إذا بإحدى الطالبات تستأذن في الدخول، وما إن أذنت لها حتى دخلت ومعها صويحباتها، ولم تترك لي المجال لأسألها عن حاجتها، فقد ابتدرتني قائلة: أريد أن أسألك سؤالاً واحداً وأرجو أن تجيبني بصراحة: ما الذي يجعل الإنسان يغير عقيدته؟
لم أكن أتوقع منها هذا السؤال ولكني لم أظهر أي علامة استنكار في إجابتي، فظنَّت أنني أنتظر توضيحاً، فقالت: لكي أوضح لك السؤال: لِمَ يتنكر الإنسان لعقيدة آبائه وأجداده التي تربى عليها؟ وهل هناك شيء في الدنيا يستحق أن يغير الإنسان عقيدته من أجله؟
أجبتها على الفور: إن سؤالاً عاماً كهذا لا يمكن إجابته إلا بصورة عامة، فهلا خصصت سؤالك ووضحت مأربكِ؟
قالت: لماذا غيرت عقيدتك أنت؟
ولم أشأ أن أسألها عن مصدر علمها أني غيرت عقيدتي، وأجبتها: لقد بحثت عن الحق في بطون الكتب وفي نقاشات السادة والعلماء ومن الأشرطة حتى شرح الله صدري لما أنا عليه الآن، وهو الذي أرجو أن يكون ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والذي أرجو أن يتوفاني الله عليه.. قالت: ولكن ألا تظن أن أصدقاءك وزوجتك هم الذين أثروا عليك؟
لم أشأ أن أجيب على هذا التساؤل، فطرحت سؤالاً آخر: هل تريدين أن تَصَلِي إلى الحق؟ تعالي نناقش بعض ما أنت عليه من عقائد:
أنتِ تعتقدين أن الصحابة جميعاً ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو خمسة أليس كذلك؟
قالت: لنفترض أن ما قلته صحيح..
قلت: كيف يتزوج رسولك بابنة رجل منافق يكفر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟ إن أحدنا نحن الرجال إذا سمع أن هناك شخصاً سيئ الأخلاق والسمعة -غير منافق ولا كافر- فإنه لا يفكر بالاقتران بابنته، فكيف ترضين ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ومع اثنتين من زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين؟!
ثم كيف يصف تبارك وتعالى أبا بكر بالصحبة في قوله: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ)) [التوبة:40] وتقولين: إنه منافق؟!
إن إنكار صحبة أبي بكر رضي الله عنه كفر؛ لأنه إنكار لشيء من القرآن.
قالت بثقة: ولكن كلمة [صاحب] لا تعني صحبة الألفة والمحبة دائماً، بل قد تكون صحبة مكان كما قال تعالى في قصة يوسف: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39] فهل أصحاب سجن يوسف كانوا صحابة له؟
أجبتها: وهل حقاً تظنين أن الصحبة التي ذكرت في حق أبي بكر كتلك التي ذكرت لأصحاب يوسف؟
وهل كان مخيراً في أن يدخل السجن أو لا يدخل ليصاحب أولئك صحبة مكان؟
ثم كيف يقترن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم برجل يرتد بعد موته؟ أم إنه كان يجهل كل هذه المساوئ في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعلمها غيره من البشر؟!
ثم إن قوله: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] يقتضي المعية لهما، أي: معي ومعك يا أبا بكر، فمعية الله جاءت بلفظ التثنية للاثنين، ولم يقل: إن الله معي، وذلك لفضيلة أبي بكر رضي الله عنه، وإلا فالذين مع موسى لم تشملهم المعية، كمـا قال سبحانه: ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) [الشعراء:61].
((قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)) [الشعراء:62] ولم يقل: إن معنا ربنا، وفي هذا دلالة على أن إدخال أبي بكر في المعية إنما هو لفضله.
علاوة على ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يُطَمئنُ أبا بكر ويذهب قلقه وحزنه، ويخبره بمعية الله لهما جميعاً، فكيف يكون الله قد نصر نبيه، ومع ذلك يجعل صاحبه في الشدة منافقاً؟
بل كيف تكون المعية الخاصة من الله للمنافق؟ وكيف يَطْمئنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمنافق؟ وكيف ينصر الله المنافق؟ أي عقلٍ يقبل هذا؟!
فإن قال قائل: إذا كان هذا، فلماذا قال الله سبحانه وتعالى: ((فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)) [التوبة:40] بالإفراد؟
فنقول: لأن الآية في أصلها إنما هي في بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)) [التوبة:40].
فمقتضى الكلام أن يستمر الإفراد كذلك: ((فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)) [التوبة:40] وهذا هو مقتضى اللغة العربية، ثم إن المعية من الله لأبي بكر تقتضي إنزال السكينة عليه، فلا حاجة إذاً للتثنية في ذكر إنزال السكينة، وإلا لعُدَّ لغواً من الكلام.
ولكن هذا الإشكال إنما ينتج لقلة تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى، ومثله من يتعلق بقوله سبحانه: ((لَا تَحْزَنْ)) مع أن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [يونس:65] وقالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام: ((وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ)) [العنكبوت:33] وغيرها من الآيات كثير، ولكن تدبر كتاب الله تعالى يحتاج إلى التدبر بلسان عربي مبين بعيداً عن الهوى والتعصب.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الهوى، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..
ومن المعلوم في العقيدة أن زوجة الرجل في الدنيا هي زوجته في الآخرة إن دخلا الجنة.
قاطعتني قائلة: لم أرد أن أناقشك في الصحابة، ولكن سؤالي كان عن سبب تغيير عقيدتك؟ فقلت: بل هذا الأمر من صلب العقيدة، فمن الذي نقل لنا القرآن؟ ومن الذي نقل لنا السنة؟
إننا إن قلنا: بأن الصحابة كفروا أو ارتدوا، فإننا نطعن في صحة القرآن الذي بين أيدينا، وقد طعن كثيرون في صحته في أمهات الكتب المعتمدة عندهم، فكل ما نعتقده باطل؛ لأن الكافر ليس أهلاً لنقل شيء من الأخبار.
قالت: وهل تنكر أنت الإمامة؟ قلت: إن كنتِ تعنين الإمامة بمعنى: الصلاح والتفضيل بالتقوى والإيمان فإني أثبتها لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وزين العابدين والصادق رضوان الله عليهم أجمعين.
أما إن كنتِ تريدين بالإمامة تلك المنزلة التي تؤهل الإمام أن يتصرف في الكون كيف يشاء ويعلم الغيب ويبلغ مراتب الرسل والملائكة المقربين، فإني لا أثبت هذا الأمر، وسيد الأئمة وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن له تصريف شيء في هذا الكون، ولم يكن يعلم الغيب؛ لقوله تعالى: ((وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ)) [الأعراف:188].
فأي إمامة تريدين؟ قالت: لنرجع إلى موضوع العقيدة؟
قلت: ابدئي من حيث شئتِ.
تريدين أن نبدأ بقضية الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، أم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أم الإيمان بالقرآن؟
قالت: ظننت أننا متفقون في قضايا الإيمان بالله والرسول والقرآن؟
قلت: هذا مجرد ظن، فالعقيدة المسطرة في أمهات الكتب التي تعتبرينها مراجع صحيحة تناقض العقيدة المسطرة في الكتب التي أعتبرها أنا مراجع صحيحة، ولهذا الاختلاف في المراجع ارتأيت أن نبني نقاشنا على شيء نتفق عليه.. فإن كنتِ تؤمنين بأن كتاب الله مرجع فإني سأثبت لكِ أن تلك المراجع المعتمدة تخالف ما في القرآن وإن كنتِ تعتقدين أن القرآن الذي بين أيدينا محرف فإني سأثبت لكِ بالعقل أن ما أنتِ عليه لا يتفق والفطرة السليمة.
قالت مقاطعة: ولكني أعتقد أن هذا القرآن غير محرف وصحيح ولا غبار عليه، بل هذه عقيدة كل مسلم.
قلت: فإن اخترت لكِ حديثاً صحيحاً صريحاً في أحد مراجعك يقول بأن هذا القرآن محرف؟!
ترددت قليلاً ثم قالت: لعلك لم تفهم معنى الحديث كما ينبغي. قلت: بل سألحق الحديث بشرح صاحب الكتاب، وآخذ شرحه هو لا شرحي أنا.
قالت: في أي كتاب هذا؟
قلت: هذه مشكلتك ومشكلة الكثيرين، أنهم لا يعرفون أصول دينهم وما تحويه مراجعهم المعتمدة عند علمائهم، اقرئي حديث كذا في صفحة كذا من كتاب كذا.. للعالم كذا.. اقرئي ما سطر في كتابه صفحة كذا، وعندما تتيقنين أن ما أقول لكِ موجود فعندئذٍ نستطيع أن نكمل النقاش).
المصدر: كلمات في العقيدة، تأليف الدكتور/ أمير حداد، (ص:158) (بتصرف).
أرأيتِ أختاه؟ إن كثيرات قد أخذن المذهب عن طريق الوراثة والآباء والأجداد فقط، فهذه الطالبة لا تعرف أساسيات معتقداتها الحقيقية التي في كتب ومراجع علماء مذهبها!! وكيف أنها وقفت في الحوار العفوي وغير المرتب له بسبب جهلها بما في كتب مذهبها مما هو مخالفٌ لدين الإسلام وعقيدة المسلمين.
أختاه: الهجي إلى الله بهذا الدعاء لعلّ الله أن يفتح على قلبكِ: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

9) الوقفة السابعة:-
- ومـاذا بعـد...؟؟:
أختي الغالية: يا من تحبين آل بيت النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام، اسألي نفسكِ بعض الأسئلة لنعود إلى صدر ما بدأنا به من أهمية العقل وإعمال الفكر، وسأخاطب غيركِ؛ لأني أعلمُ أنكِ أرفع ممن سأخاطبهم بكثير!!
يقولون: (ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة)!!
وأقول: إذاً فقد فشل النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه؛ بعد أن أمضى معهم ثلاثاً وعشرين سنة، لم يستطع تربية وهداية أحد إلا ثلاثة!! وأين هم من آيات الثناء العاطر على الصحب الكرام في كتاب ربنا جل وعلا؟
فالله جل وعلا يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [البقرة:218].
ويقول تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) [آل عمران:195].
وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41].
وقال تعالى: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النحل:110].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [الحج:58].
وقال تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
فماذا تفعلين أختاه بكتاب الله وآياته المحكمات في مدح الصحابة والصحابيات؟ هل تعرضين عن كلام العزيز الجبار وترضين بكلام البشر في أصحاب خير البشر صلى الله عليه وسلم؟! أم تتبعين ما تشابه من القرآن فتخلطين الآيات وتجعلين آيات المنافقين في الصحابة أيضاً، مع أن الله عز وجل بيَّن صفات كل منهم، وبيَّن أن هؤلاء غير هؤلاء، أم إنكِ سَتُسلِّمين لله وتقولين: سمعنا وأطعنا كلٌ من عند ربنا؟
يقولون: بجواز دعاء غير الله! والطواف بالقبور! وشد الرحل إليها!
وأقول: وهل يخرج من مشكاة آل البيت الأطهار ما يخالف صريح القرآن العظيم؟ والله يقول سبحانه: ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]، والله يقول: ((وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) [الحج:29] ولم يقل: ادعوا غيري وطوفوا بقبر أو غيره!!
يقولون: أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة كُفَّار بالله العظيم.
وأقول: أبو بكر وعمر، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيهما: عائشة وحفصة! فهل يليق بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج في الإسلام من كافرات بنات كفار؟! أليس هو المؤيد بالوحي؟ وعمر تزوج ابنة علي (أم كلثوم) رضي الله عنهم أجمعين؛ فهل يُزوِّج عليٌ كافراً ؟!
يقولون: أبو بكر وعمر كسرا باب بيت عليٍ وضربا فاطمة وأسقطا جنينها!!
وأقول: وأين علي الحيدرة أسد الأسود وبطل الأبطال؛ ألا يدافع عن زوجته وبيته؟!
يقولون: الإمامة نصٌ من الله لـعلي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للحسن، ثم للحسين رضي الله عنهم!!
وأقول: كيف يخالف الإمام علي رضي الله عنه كتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُسلم الخلافة لـأبي بكر ثم لـعمر ثم لـعثمان رضوان الله على الجميع، وكذا الحسن كيف يتنازل عن هذا المنصب الإلهي لـمعاوية رضي الله عن الجميع؟؟
فإن قالوا: اجتهدا! قلنا: هل يجوز الاجتهاد مع وجود النص؟؟ إذ لو كانت الإمامة من أصول الدين -كما يذكر علماء الشيعة تخرصاً- فكيف يذكر الله في القرآن أصول الإيمان وأركان الإسلام، ولم يذكرها فيه لا نصاً ولا تلميحاً بالمعنى الذي يريده هؤلاء، علماً أن الله ذكر كلب أصحاب الكهف وحمار عزير وهدهد سليمان؟! قليلاً من التأمل يا أخية!!
يقولون: إن علياً أخفى القرآن الحق الذي لم يُحرَّف معه؛ وجعله مع القائم (المهدي)!!
وأقول: هل يجوز أن تبقى الأمة خليَّة من كتاب ربها طيلة هذه الدهور؟؟
يقولون: إن الأئمة يعلمون الغيب!!
وأقول: ألم يقل الله: ((قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] وكيف يموت بعضهم مسموماً؟ فهل انتحر هذا الإمام مع علمه أنه يموت بالسم فأكله؟؟
ويقولون: إن الصحابة الكرام غير عدول!!
وأقول: يلزم من هذا عدم تواتر القرآن الكريم حيث هو عن طريقهم وصل إلينا.
يقولون: العداوة مُستحكمة بين الصحابة وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقول: فما بال المصاهرات بينهم؟ فهل تزوج ابنتك أو ابنك بمن تبغض؟ وما بال علي رضي الله عنه وأبنائه يسمون أبناءهم بأسماء الخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان ؟ فهل تسمي ابنك باسم من تبغضه؟ وهنا بطل نهر مَعْقِل!!
ويقولون: بعصمة الأئمة من الذنوب والأخطاء والسهو والغلط!
وأقول: فما بال القرآن يُثبت الذنب لآدم والنسيان لموسى، والعِتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؟ وغير ذلك أخيتي كثير كثير.
فهذه عجالة من قلم، ولم أُرد التفصيل في مسائل كثيرة؛ أنتِ بها أعلم لواقع المعايشة والبيئة المفروضة، وصدق الله العظيم: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)) [النساء:82].
وقد أشار طائفة من علماء الشيعة في مصنفاتهم إلى كثرة الاختلاف في مذهبهم، واقفين موقف العاجز أمامها مرة؛ والمتخبط مرة أخرى، فمرة يحملونه على مخالفة العامة أهل السنة! وإن وافق القرآن وفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومرة يُحمِّلون التقيّة عِبء المسألة!
فهذا الطوسي عالم الشيعة الكبير يقول في أول كتابه: تهذيب الأحكام [1/2]:
(وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا.. إلى أن قال: سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره..).
ولا يخفى عليكِ البون الشاسع والبعد الهائل بين هذا المذهب وبين القرآن الكريم والعقل السليم!
أختي الغالية: هذه آخر كلماتي وأسطري في رسالتي هذه إليكِ، سدد الله خطاكِ ورعاكِ، وأرجو منكِ -أخية- أن تأخذي بأحسنها وأن تنظري إليها بعين الإنصاف والعدل، وتجردي نفسكِ من الهوى والتعصب المذموم؛ فوالله ما أمسكت بالقلم إلا لأكتب لكِ محبة صادقة، وشفقة عليكِ في الدنيا والآخرة.
ولتعلمي بعد أني وإياكِ سنقف بين يدي الله، فماذا أنتِ قائلة بعد أن بَلَغتْكِ الحجة واتضح لكِ الأمر.

- أختي وغاليتي: إليكِ همستي هذه:
أخيراً أختاه: بعد أن منَّ الله عليكِ بمعرفة الحق؛ احرصي بارك الله فيكِ على نشره بين أخواتكِ وقريباتكِ.
أختاه: يا من نشأتِ في أوساط السنة وأنتِ الآن تعيشين في الوسط الشيعي بسبب العمل أو غيره وقد تجمعك بهن قاعة فصل أو سقف عمل أو جوار في مسكن، علينا أن نجتهد في بيان الحق لهن؛ وبدل إظهار الكراهية والجفوة والهجر علينا أن نشفق عليهن، كالطبيب مع مريضه، ونسعى لعلاجهن وإصلاحهن، لعل الله أن يجعل توبتهن وهدايتهن على أيدينا ونفوز بالأجور والثواب العظيم.
أختاه: لعل من المناسب أن أذكر لكِ بعض المسائل التي تعين على دعوة أخواتنا الشيعيات، ومنها تصحيح المفاهيم المغلوطة علينا معشر أهل السنة كـ:
1- قولهم عنا: (أنا نكره أهل البيت)! لذا لا بد من البيان الكامل لهن من كتبنا ورسائل علمائنا تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار.
2- زعمهم أن معنى السنة: (اتباع طريقة بني أمية وسنتهم)! فلا بد من بيان معنى السنة، وأنَّا نتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا سنة غيره.
3- زعمهم: (وجود العداوة المتأصلة بين الإمام علي رضي الله عنه وبين الخلفاء الراشدين)!
فلا بد من إظهار كذب هذه المقالة؛ وأن الخلفاء بل الصحابة جميعاً كانوا مع آل البيت في وفاق ووئام، بل ونسب ومصاهرة، وعليكِ بمراجعة رسالة صغيرة في هذا الباب بعنوان: (رحماء بينهم) لفضيلة الشيخ القاضي/ صالح الدرويش.
4- زعم بعضهم: (أنَّا معاشر أهل السنة نحرف القرآن) فلابد من بيان كذب هذا القول، وأنه عندنا من قال بتحريف القرآن بزيادة أو نقصان فهو كافر، وفرق بين النسخ الذي كان في عهد الوحي وبأمره عليه الصلاة والسلام، وبين القول بتحريف القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
5- لا بد من بيان مفهوم الشرك بالأدلة النقلية والعقلية؛ لأن مفهوم الشرك لديهم غير واضح بل عندهم فيه جهل مركب!!
6- من المفاهيم الواجب بيانها وهو من أهم أسباب كراهية الشيعة -هداهم الله- لنا أهل السنة والجماعة، ظنهم واعتقادهم بأن موقفنا منهم هو بسبب حبهم لآل البيت والأئمة!! فقد غرس شيوخهم هذا الفهم المغلوط في أذهانهم وفي قلوب عامتهم، فعندهم أن كراهية السني للشيعي وما يترتب عليها من أفعال ومواقف هي بسبب حب الشيعة للإمام علي وأولاده، وأن السنة يحبون بني أمية!! لذا فهم يكرهون كل من أحب علياً رضوان الله عليه!! لذا كان لزاماً تصحيح هذا المفهوم، وبيان حقيقة الانحرافات العقائدية لديهم، وأنها هي سبب الفرقة الواقعة.

والله تعالى أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...